العنوان : وقفات مع خبر القبض على خلية عملاء السفارات (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: عباد الله اتقوا الله تعالى واذكروا نعم الله عليكم وتذاكروا بها وتحدثوا بها وإن من أجل النعم علينا بعد نعمة الإسلام والسنة ما نعيش فيه في هذه البلاد من أمن واستقرار واجتماع للكلمة ومودة في القلوب وصلاح ذات البين واحترام متبادل بين أبناء هذا الوطن الطيب المبارك.
والأمن والطمأنينة واجتماع القلوب أمر لا يملكه إلا لله يهبه من يشاء وينزعه ممن يشاء كما قال تعالى في نعمة الأمن : ” {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وقال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ } وقال تعالى {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وقال تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} فالذي يجعل البلاد أمنة مطمئنة هو الله والله ذو الفضل العظيم، والذي يبدل حالها إلى خوف واضطراب وفتن هو الله تعالى وما ربك بظلام للعبيد.
وقال تعالى في شأن اجتماع القلوب والتأليف بينها {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فالله تعالى وحده هو من يؤلف بين القلوب بفضله وهو من يخالف بينها بحكمته وعدله.
وإذا كان الأمن والاجتماع نعمة من الله فإن النعم تستدام بالشكر كما قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} فاشكروا الله تعالى على هذه النعمة بالقيام بطاعته واجتناب معصيته.
واحرصوا على أسباب دوامها واحذروا من أسباب زوالها:
فمن أسباب ثبات هذه النعم: لزوم الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة لأن هذه الاسس الثلاثة تأمر بالاجتماع والائتلاف وتحذر من الفرقة والاختلاف تأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور وتحذر من الخروج عليهم فلزوم ما فيها اعتقاداً وعملاً وسلوكاً يورث الأمن والاجتماع والألفة. وكم حدثنا التاريخ عن دول إسلامية كانت قوية منيعة حتى فشت فيها البدع والاعتقادات الفاسدة فذهبت وزالت.
ومن أسباب ثبات هذه النعمة: الحكم بالعدل كما قال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) فرفع المظالم وإيصال الحقوق إلى أهلها والانتصار للضعيف المظلوم من القوي الظالم من أسباب استقرار الأوطان واستمرار الممالك فبالعدل قامت السماوات والأرض.
ومن أسباب ثبات نعمة الأمن والاستقرار: قيام الرعية بالواجب الشرعي عليها تجاه ولاة الأمر من السمع والطاعة في المعروف والتعاون معهم على البر والتقوى والقيام بالواجبات الوظيفية والالتزام بالأنظمة التي رتبت لتحقيق المصالح ودفع المفاسد في شتى مرافق الحياة.
فإن الوفاء لهم بالبيعة والوفاء بحقوق تلك البيعة هو من أهم الأسس والقواعد التي تحفظ بنيان المجتمع قوياً سليماً من أسباب التصدع والانهيار.
ومن أسباب ثبات هذه النعمة: معرفة الواجب الشرعي على الرعية إذا رأت من ولي أمرها ما تكرهه من معصية أو ظلم أو أثرة وذلك أن الأدلة الشرعية جاءت واضحة صريحة في وجوب التزام الصبر والاحتساب والاستمرار في إعطاء ولي الأمر حقه من السمع والطاعة والنصح واجتماع الكلمة عليه، ناهية عن الخروج عليه أو التمرد عليه أو منابذته وإن ظلم وجار وفسق واستأثر، إلا في حالة واحدة هي أن يروا منه كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان.
وإن بعض الشعوب إذا رأت من حكامها ظلماً أو فسقاً تمردت عليه وخرجت ولم تصبر ولم تأخذ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ووصيته فيكون عاقبة أمرها إلى دمار وخراب وفتن ودماء حتى تود لو استطاعت أنه تعود إلى بعض ما كانت فيه بسبب ما رأت من أهوال الثورات والتمرد.
نسأل الله تعالى أن يثبت أمننا واستقرارنا واجتماع كلمتنا وأن يجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتذكروا أن لنا أعداء يعادوننا لديننا دين الإسلام أو يعادوننا لعقيدتنا عقيدة التوحيد والسنة أو يعادوننا لجنسنا ولساننا العربي، وتذكروا أن لنا حساداً يحسدوننا على ما نتقلب فيه من النعم ومنها نعمة اتساع حدود الدولة، ونعمة الحرمين الشريفين، ونعمة النفط ونعمة الموارد الطبيعية في باطن أرضنا وظاهرها، ونعمة المكانة السامية التي من الله بها على هذه البلاد في قلوب المسلمين في الشرق والغرب بل والمكانة والاحترام والتقدير الذي تحظى به هذه البلاد على مستوى العالم لحسن سياسة قادتها وصدقهم وحكمتهم.
وهؤلاء الأعداء والحساد لا يهدأ لهم بال ولا يطيب لهم حال ونحن نتقلب في هذه النعم فلا يرضيهم ولا يسرهم إلا زوالها لذا هم يسعون ليلاً ونهاراً إلى إفساد أحوالنا، وهم يسلكون في سبيل هذه الغاية شتى الوسائل ومنها تجنيد بعض أبنائنا وبناتنا ضد وطنهم وولاة أمرهم ليتعاونوا معهم في تحقيق مآربهم من الداخل.
ولا شك أن نتائج الخيانات والغدر إذا قُدّر لأصحابها الوصول إلى أهدافهم نتائج مدمرة هدامة مرعبة العواقب.
لذا يجب أن نقف كشعب ومواطنين ومقيمين صفاً واحداً مع قيادتنا ضد كل من توسل له نفسه العبث بأمننا واستقرارنا ووحدتنا واجتماعنا.
وإن مما نحمد الله تعالى عليه ما بشرتنا به رئاسة أمن الدولة أيدها الله قبل أيام من أخبار القبض على خلية مكونة من عدد من الرجال والنساء كانت لها أنشطة تآمرية تخريبية بالتعاون مع جهات خارجية
فلله الحمد والمنه على هذه النعمة والشكر بعد الله لرئاسة أمن الدولة على يقظتها وحرصها ومتابعتها. زادهم الله توفيقاً وتسديداً.
أيها الإخوة :
إن الدروس المستفادة من خبر القبض على هذه الخلية كثيرة لكن أنبه على ثلاثة دروس:
الأول: أن أعداءنا حريصون على تجنيد كل من يقدرون على تجنيده من كبار السن أو صغار السن من الرجال أو النساء من أصحاب الأحوال الميسورة الجيدة أو من غيرهم. فكل من طمعوا فيه ورجوا فيه فإنه قد يكون صيداً مستهدفاً لهم. فلنحرص على أنفسنا وأهالينا وأبنائنا وبناتنا من شرورهم
الثاني: أن العدو حريص على تجنيد العنصر النسائي وذلك لأن الشك فيهن أبعد ولأن المرأة أسرع في التأثر من الرجل، ولأن المرأة تصل إلى محيط لا يصل إليه الرجال من بنات جنسها، ولأن كل واحدة منهن قد تؤثر على زوجها أو ابنها أو أخيها على اختلاف مناصبهم ومواقعهم الوظيفية والاجتماعية.
الثالث: أن بعض الأنشطة قد يكون لها عنوان وشعار يخالف حقيقة ما تخفيه، فرفع شعار المطالبة برفع الظلم عن المرأة أو تمكينها من القيادة أو نحو ذلك من الشعارات إنما كانت تخفي أنشطة تآمرية واتصالات خارجية تضر بأمن البلاد واستقرارها.
نعوذ بالله من شرور هؤلاء المتآمرين، خونة الوطن والدين، ونعوذ به من شر كل ذي شر في الداخل والخارج إنه قوي عزيز.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأيد بالنصر والظفر جنودنا، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ولا تحرمنا فضلك بذنوبنا وتقصيرنا. اللهم صل وسلم على النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.