العنوان : من أحكام المسح على الخفين والعمائم والجبائر
( الخطبــة الأولــى )
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أما بعد :
فان الله يسر لعباده أحكام الشريعة رحمة منه ولطفأ بعباده كما قال سبحانه وتعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) وكما قال عز من قائل ( يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)
وقال صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالحنيفية السمحة) ومن صور التيسير في الشريعة الإسلامية مشروعية المسح على الخفين وعلى العمائم وعلى الجبائر
أما المسح على الخفين فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتاً قطعياً أنه مسح على خفيه ومسح الصحابة من بعده ولا يُنكر المسح على الخفين إلا أهل البدع.
ومن شروط المسح على الخفين والجوارب ونحوها أن تلبس على طهارة أي بعد تمام الوضوء لحديث المغيرة بن شعبة أنه لما همّ أن يخلع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه قال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين متفق عليه.
ومن شروط المسح عليهما أن يكون المسح في الحدث الأصغر إذا انتقض الوضوء بالبول والغائط والنوم العميق وأكل لحم الإبل وخروج الصوت والريح ونحوها من النواقض أما إذا حصل ما يوجب الغسل من الجنابة والاحتلام فلا بد من غَسل الرجلين مع البدن ولا يجزئ المسح . عن زر بن حبيش رحمه الله قال:
أتيت رجلاً يدعى صفوان بن عسال فقعدت على بابه فخرج فقال : ما شأنك ؟
قلت: أطلب العلم.
قال : إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب .
قال :عن أي شيء تسأل ؟ قلت : عن الخفين . قال : كنا إذا كنا مع الرسول الله صلى الله علية وسلم في سفر أمرنا أن لا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة ولكن من غائط أو بول أو نوم) أخرجه الترمذي والنسائي واللفظ له.
ومن شروط المسح على الخفين أن يكون المسح في المدة المحددة شرعاً وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر وتبدأ المدة من أول مسح بعد الحدث وفي تحديد المدة يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر , ويوما وليلة للمقيم . يعني: في المسح على الخفين أخرجه مسلم.
ومن انتهت مدته ومسح ناسياً أعاد الوضوء والصلاة.
وأما المسح على العمائم فقد أذنت الشريعة الإسلامية السمحة للمسلم أن يمسح على العمامة تخفيفاً وتيسيراً إذا كانت مشدودة على الرأس . عن ثوبان رضي الله عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية , فأمرهم أن يمسحوا على العصائب يعني : العمائم والتساخين يعني : الخفاف – رواه أحمد , وأبو داود , وصححه الحاكم.
وهكذا يجوز المسح على القبع الذي يغطي الرأس ويكون مفتوحاً على الوجه فإن نزعه أشد مشقة من نزع العمامة .
وهكذا يجوز للمرأة أن تمسح على الخمار إذا كان مشدوداً من تحت حنكها لمشقة نزعه أيضاً . فقد روى ابن أبي شيبة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تمسح على الخمار.
ولا يشترط في العمامة وما جرى مجراها مدة ولا أن تلبس على طهارة لعدم ورود شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الشماغ والطاقية من ملابس الرجال . وكذا الطرحة على رأس المرأة إذا كانت غير مشدودة فهذه لا يجوز المسح عليها لأنه لا مشقة في نزعها فلا تلحق بالعمائم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
(الخطبــة الثانيــة )
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه ، وأشهد أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أيّها المسلمون ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله جلّ وعلا ، فهي وصيّة الله للأولين والآخرين .
أما بعد :
ومن الأحكام المتعلقة بالمسحِ المسح على الجبائر واللصقات واللفائف الطبية التي تستعمل لعلاج الكسور والرضوض ونحوها.
وهذا النوع من الممسوحات لا يحتاج إلى أن يلبس على طهارة وهذا من التيسير لأن الإصابات والأمراض تأتي فجأة وقد يشق معها الوضوء مشقة بالغة.
كذلك ليس لها توقيت بل يمسح عليها ما دامت الحاجة داعية إلى استعمالها سواء لبست أسبوعا أو شهرا أو كثر.
كذلك يمسح عليها في الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر على السواء.
وأما إذا كان الجرح مكشوفاً ولا يمكن إمرار الماء عليه ولا مسحه بالماء فإنه يتوضأ ويغسل الأعضاء السليمة التي لا يضرها الماء ثم يتيمم التيمم المعروف عن مكان الإصابة المكشوفة . وصفة التيمم أن يضرب بكفيه الصعيد الطاهر ثم يمسح بهما وجهه وكفيه .
ثم اعلموا رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله ، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلّ بِدعة ضَلالة ، وعليكم بجماعة المسلمين ، فإنَّ يدَ الله عل الجماعة ، ومن شذّ شذّ في النار .
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولك محمّد ، وارضَ اللّهمّ عن خلفائِهِ الرّاشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ارض عنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين
… الخ