العنوان : مقرر التاريخ للثاني متوسط ومعاوية رضي الله عنه
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أما بعد: من أصول منهج أهل السنة والجماعة التي خالفهم فيها عامة أهل البدع والأهواء، محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، واعتقاد عدالتهم جميعاً، والدعاء لهم والترضي عنهم، وقد أثنى الله عز وجل على أصحاب نبيه الثناء الجميل، ونوه بعظيم شأنهم في القرآن والتوراة والإنجيل، واقرأ إن شئت سورة التوبة، والفتح والحشر وغيرها. وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفضلهم على من جاء بعدهم، وأخبر أن أجرهم عند الله لا يدانيه أجر من جاء بعدهم. وقد جرت عادة السلف في كتبهم ومقالاتهم، على الترضي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكرهم، لخبر الله عز وجل عنهم أنه قد رضي عنهم كما في قوله تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وذلك الفوز العظيم) [التوبة 100]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية (فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) إلى أن قال (وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه..) اهـ [4/142ط الشعب]. وفي الترضي عنهم، إظهار محبتهم، وتقديرهم، وتربية جمهور المسلمين على ذلك، كما أنه شعار يتميز به أهل السنة عن أهل البدع من الروافض والخوارج وأمثالهم. بعد هذا التمهيد أقول: استرعى انتباهي وأنا أطالع مقرر التاريخ للثاني المتوسط ط 1423 في المبحث المتعلق بمعاوية رضي الله عنه أمران اثنان: أولهما: لم تذكر عبارة الترضي إلا مرة واحدة بعد الانتهاء من الحديث عن سيرته والدخول في موضوع جديد، مع أنه تكرر اسمه إحدى عشرة مرة فضلاً عن الضمائر التي تعود إليه، فضلاً عن المواضع التي تكرر فيها ذكره بعد ذلك. ولا شك أن هذا يعطي طلابنا تصوراً عن معاوية رضي الله عنه بأنه غير صحابي، أو أنه فعل ما لا يستحق به أن يترضى عنه، لا سيما وأن غيره يذكر مقروناً بالترضي كالخلفاء الأربعة والحسين وابن الزبير رضي الله عنهم جميعاً. أو على الأقل قد لا يحرصون على الترضي عنه إذا ذكروه. وغير خاف أن الذين يبغضون معاوية ويهضمونه حقه، ويطعنون فيه ليسوا بقليل، بل هم كثير جداً، لذا كان ينبغي أن تصاغ ترجمته صياغة محكمة، تضمن لأبنائنا عدم الانزلاق أوالتأثر بهذه التيارات المنحرفة عن سواء السبيل. ثانياً: إذا قارن القارئ بين عبارات الثناء التي مدح بها معاوية رضي الله عنه مع عبارات الثناء التي مدح بها عمر بن عبد العزيز رحمه الله قد يفهم منها تفضيل الثاني على الأول، حيث قال المؤلفون عن معاوية رضي الله عنه (سار بالناس سيرة حسنة …اشتهر معاوية بالدهاء والحلم والحكمة) وقالوا عن عمر رحمه الله (عندما تولى عمر بن عبد العزيز أعاد سيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم فكان يتمثل الوقوف أمام الله يوم الحساب في كل شيء يفعله). وما من شك في زهد عمر وعدله، وفضله رحمه الله، لكن أكثر العلماء يفضلون كل واحد من الصحابة على كل واحد ممن بعدهم ولهذا قال السلف : غبار دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل عمر بن عبد العزيز. [انظر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية 6/226-227] وللسلف كلام عظيم في عدل معاوية رضي الله عنه ومنه قول قتادة رحمه الله: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي. وقول أبي إسحاق السبيعي حيث ذكر له معاوية فقال: لو أدركتم أيامه لقلتم: كان المهدي. وذكر للأعمش عدل عمر بن عبد العزيز فقال الأعمش: كيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا في حلمه؟ قال: لا والله بل في عدله. [انظر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية 6/233-234] وفي ختام هذه الكلمة انبه على ما يلي : 1- لا تعني هذه الملاحظات أن من ذكر صحابياً ولم يترض عليه فهو آثم، وإنما هي تذكير بأدب ينبغي المحافظة عليه، والعناية به، لا سيما في مقرر يدرسه أبناؤنا، ولا سيما والحديث عن معاوية رضي الله عنه الذي تعرض لكثير من الذم والطعن، والذي أزعجني في المقرر كثرة تكرار اسمه ثم لا يترضى عنه إلا مرة واحدة. 2- لا تعني هذه الملاحظات إساءة الظن بالأساتذة المؤلفين بل ندعو لهم بالتوفيق على جهودهم المشكورة، لكن العمل البشري عرضة للنقص، والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً. والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. علي بن يحيى الحدادي 27/7/1424