العنوان : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، وحققوا الإيمان بفعل ما أوجب الله عليكم واجتناب ما حرّم عليكم، وإن من واجبات الإيمان أن يحب المسلم لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه من الخير قال ﷺ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه.
فدل ذلك على أن هذه الخصلة الجليلة الحميدة العظيمة من الإيمان، وأن هذه الخصلة واجبة، فمن أتى بها استحق الثواب، ومن لم يأت بها استحقَّ العقاب، ونَقصَ كمالُ إيمانهِ الواجب.
عباد الله:
إن الله تعالى جعل الأُخوّة نوعين أُخوّةَ نسب وأُخوّةَ دين، وجعل أُخُوَّة الدين أعظمَ وأشدَّ وآكدَ من أُخُوَّةِ النسب، ولهذا لو كان للمسلم أخٌ كافرٌ من أمهِ وأبيهِ لما جاز له أن يواليَه، ولوجبَ عليه أن يبغضه في الله تعالى لأجل ِكفره، وهو مع ذلك يجب عليه أن يحب أخاه المسلم الذي ليست بينه وبينه قرابة، قال تعالى في المحبة والموالاة بين المؤمنين ولو تباعدت أنسابهم وديارهم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقال تعالى ناهياً عن مُوادّةِ مَن حادَّ اللهَ ورسولهُ ولو كان أقربَ قريب قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }.
عباد الله:
إن الله تعالى جعل المؤمنين كلَّهم كنفس واحدة فقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي لا يأكل مسلم من مال أخيه المسلم شيئاً بالباطل. فجعل الجميعَ بمنزلة النفس الواحدة، وقال تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا يقتل بعضكم بعضاً يا أهل الإيمان، فجعل المؤمنين كنفس واحدة فمن قتل أخاه بغير فكأنما قَتَل نفسَه.
وقال تعالى في قصة الإفك {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} أي كان الواجب عليكم إذا سمعتم التهمة بالفاحشة في حق إخوانكم وأخواتكم في الدين ممن عرفوا بالإيمانِ والعِفَّة أن تبادروا إلى حسنِ الظن بهم وتكذيبِ مَن اتهمهم، فجعل الله تعالى اتهامَ أخيكَ المسلم َكاتهامكِ أنت؛ لأنك وإياه كنفسٍ واحدة، فكما لا ترضاه لنفسك فلا ترضه لأخيك.
وقال ﷺ “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” متفق عليه.
وهذا الحديث فيه تأكيد أيضاً على أن المؤمنين فيما بينهم بمنزلة النفس الواحدة والجسد الواحد، وإذا نظر المؤمن إلى أخيه في الدين بهذا المنظار أَحبّهُ كنفسه، فتراه يفرح لفرحه، ويغتم لغمه، ويسعى في جلب الخير إليه ودفع الشر عنه، ويحب أن يكون له من خير الدنيا والآخرة مثل الذي يحبه لنفسه وأكثر.
جعلني الله وإياكم من أهل الإيمان الذين يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم من الخير إنه سميع مجيب. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبا فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وصدِّقوا الأقوالَ بالأفعال، فإن الأُخوّةَ الدينية ليست مجرد دعوى باللسان، ولكنها أُخوّةٌ ومحبةٌ حقيقية تثمرُ التعاونَ على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِ والتواصي بالصبر، محبةٌ تقتضي تعليمَه إذا جَهِل، وتذكيرَهُ إذا نسي، وموعظتَهُ إذا غَفَل. محبةٌ تقتضي التسليمَ عليه إذا لقِيْتَه، والتبسمَ في وجهه إذا رآك ورأيتَه.
محبةٌ تقتضي سَترَ عيبهِ وزلّتَه، وسَدَّ حاجتهِ وخَلَّـتِه، وعيادتَهُ عند اعتلالِ صحتِه، وتعزيتَهَ وتسليتَهُ عند مصيبتِه.
محبةٌ تقتضي أن تحدثه بالصدقِ لا بالكذب، وتعاملَهُ بالعدلِ لا بالظلم، وبالنصحِ لا بالغِش، وبالأمانةِ لا بالخيانة، وبالوفاءِ لا بالغدر. وأولى الناس -يا عبدَ اللهِ- أن تعاملَهم بهذا الخلُقِ العالي هم أهلُك فخيرُكُمْ خيرُكمْ لأهله كما قال ﷺ.
فتخلقوا بأخلاق الإسلام فإنه لا أحسن َولا أجملَ من أخلاقه أبداً، بها ينال العبدُ في الدنيا حُسْنَ الصيِّتِ والذِّكر، وفي الآخرةِ أعظمَ الثوابِ والأجر، قال ﷺ: ” فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ”. أي عامِلِ الناس بمثلِ ما تحبُّ أنْ يعاملوكَ به.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيء الأخلاق لا يصرف عنا سيّئها إلا أنت، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم فرج هَمَّ المهمومين واقضِ الدينَ عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين. وانصر جنودنا المرابطين، إنك أنت القوي العزيز، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.