جديد الإعلانات :

العنوان : القواعد الأربع التي يعرف بها حقيقة التوحيد

عدد الزيارات : 4795

أما بعد:

فإن أعظم الذنوب التي عصي الله بها الإشراك به ولهذا اشتد غضب الله على المشركين فأوجب لمن مات عليه الخلود الأبدي في النار كما صرح بذلك في ثلاث آيات من كتابه الكريم وهي قوله تعالى { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً } وقوله تعالى { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً } .

وقوله تعالى { ومن يعص الله ورسوله –يعني معصية الكفر- فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً }

فهذه ثلاث آيات مصرحة بأوضح عبارة وأبينها أن من مات على الشرك الأكبر فإن مصيره إلى جهنم خالداً مخلداً فيها أبد الآباد والعياذ بالله.

كما أخبر عن نفسه أنه لا يغفر خطيئة الشرك لمن مات عليها فقال { إن الله لا يغفر أن يشرك به شيئاً ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }

وأخبر سبحانه أن من مات على الشرك فالجنة عليه حرام قال تعالى { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار }br /> وحقيقة الشرك أن تجعل لله نداً فتصرف له من العبادة الظاهرة أو الباطنة ما لا يجوز صرفه إلا لله وحده ، فمن عبد غير الله ولو مثقال ذرة فقد أشرك بالله العظيم .

والعبادة أنواع كثيرة وهي كل ما أخبر سبحانه أنه يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ومن أجلِّ العبادات الدعاء والاستغاثة عند الشدائد والذبح والنذر وغير ذلك مما يدخل في باب العبادة فهذه وأمثالها من صرف منها شيئاً لغير الله فقد أشرك وإن مات عليه لقي الله بالذنب الذي لا يغفر وقد التبس على كثير من الناس معنى الشرك فأشركوا بالله وهم يظنون أنهم مسلمون بسبب بعض الشبهات التي زينها الشيطان للعباد حتى يشركوا بربهم فيكونوا في حزبه الخاسرين الخالدين في العذاب المهين .

فمما زين لهم الشيطان وأولياؤه أن العبادة أن تعبد الله فمن عبد الله فهو الموحد وهذا فهم غير صحيح حيث ينقصه الركن العظيم من أركان العبادة وهو ترك عبادة ما سواه، فمن عبد الله وصرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك غير موحد فلا تسمى العبادة عبادة إلا مع التوحيد فلو عبدت الله وحده ألف سنة ثم أشركت بالله حبط عملك كله كما يبطل الحدث الوضوء قال تعالى { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون }

ولهذا فالله عز وجل يقرن بين الأمر بعبادته والنهي عن الشرك به قال تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً }

وقال تعالى { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } والعروة الوثقى هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله والمتمسك بها هو من عبد الله وكفر بعبادة ما سواه .

كما زين الشيطان لأوليائه أن من اعتقد أن الله هو الخالق والرازق والمدبر والمحيي والمميت فهو الموحد ولو عبد غير الله وهذا من أباطيل الشيطان وأوليائه والمغترين بها .

فإن مشركي قريش كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت الذي ينزل الغيث ويتصرف في أمر السماء والأرض ومع ذلك حكم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك وقاتلهم واستحل نساءهم وأموالهم وذلك لأنهم لم يفردوا الله بالعبادة فلم ينفعهم إقرارهم بتوحيد الربوبية الذي هو الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر المالك …

قال الله عن المشركين { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } وقال { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولن الله فقل أفلا تتقون } وخلاصة هذه القاعدة أن الإقرار بتوحيد الربوبية وحده لا ينفع صاحبه حتى يقر بتوحيد الألوهية فيتوجه بعبادته كلها إلى ربه وخالقه وحده ولا يصرف منها شيئاً لغيره .

وزين الشيطان لكثير ممن ينتسب إلى الإسلام من المفتونين بالأضرحة وقبور الأولياء والمشاهد فقال لهم إنكم إذا دعوتم الأولياء ليقربوكم إلى الله فلستم بمشركين وإذا طلبتم منهم الشفاعة عند ربكم فلستم بمشركين لأنكم تعتقدون أن الذي يملك الضر والنفع هو الله وهؤلاء إنما هم وسائط بينكم وبين ربكم لحب الله لهم ولعظيم مكانتهم عنده .

وهذه شبهة باطلة نقضها القرآن الكريم والحمد لله، فقد صرح ربنا في كتابه الكريم أن المشركين الذين كفرهم الله ورسوله واستحل دماءهم ونساءهم وأموالهم كانوا يقولون ما ندعوا هؤلاء الأولياء إلا ليشفعوا لنا عند الله وما ندعوهم إلا ليقربونا عند الله فهو العذر نفسه الذي يعتذر به عباد القبور اليوم ممن ينتسب إلى الإسلام قال تعالى { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فرد الله عليهم { إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } .

وقال تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله } فرد عليهم { قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات والأرض سبحانه وتعالى عما يشركون }

فصرح الله بكفر من دعا غيره يريد منه أن يقربه إلى الله أو يشفع له عند الله ولو قال إني على يقين أن من أدعوهم من دون الله لا يملكون شيئاً من ضر أو نفع .

وأوحى الشيطان لأوليائه أنه إذا قال لكم الموحدون إذا دعوتم الأولياء فقد أشركتم وصرتم كمشركي قريش وأمثالهم فقولوا لهم نحن ندعو أولياء صالحين وقريش كانت تدعو الأصنام والأوثان ففرق بيننا وبينهم .

وهذه شبهة ساقطة نقضها الله في كتابه الكريم في مواضع عديدة حيث صرح الله في كتابه بكفر من عبد الصالحين وكفر من عبد الكواكب وكفر من عبد الأوثان والأصنام فكلهم سواء في الكفر بالله ولهذا كفر الله من عبد عيسى بن مريم وهو من أولي العزم من الرسل وكفر الله من عبد الملائكة وهم عباد مكرمون .

وفي هذا يقول الله تعالى { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً } يعني ما أرسل الله من رسول ولا نبي يأمر الناس بعبادة الملائكة ولا النبيين فضلاً عن الأولياء والصالحين ثم رد على من زعم تلك المقالة فقال سبحانه { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } فكما كفر الله من عبد اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فقد كفر عُبَّاد الملائكة والنبيين والصالحين فإن من سوى الله عبد ضعيف فقير إلى ربه وخالقه ومولاه يرجو رحمته ويخشى عذابه لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ولا ضراً .

فإذا عرفت هذه القواعد العظيمة تبين لك يا عبد الله أن المشركين في هذه الأعصار المتأخرة ليسوا مشركين فقط ولكنهم أشد جرماً وأعظم كفراً من كفار قريش وأمثالهم لأن المشركين السابقين كانوا يشركون في الرخاء ويخلصون الدعاء والدين في حال الشدة قال تعالى { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلمّا نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } .

أما المشركون الذين ينتسبون إلى الإسلام اليوم فإنهم إذا اشتدت بهم الكربات صاحوا بأوليائهم يطلبون منهم الغوث والعون والمدد فشركهم دائم في الرخاء والشدة .

والمشركون الأقدمون كانوا يعبدون الصالحين وهو شرك دون شك والمشركون الذين ينتسبون إلى الإسلام كثير منهم يعبدون أناساً هم من أفجر الناس أخلاقاً وأخبثهم معتقداً ومع ذلك يشهدون لهم بالولاية ثم يعبدونهم مع الله تعالى الله وتقدس.

أسأل الله أن يثبتني وإياكم على التوحيد والسنة وأن يجنبني وإياكم الشرك كله أكبره وأصغره وأن يهدي ضال المسلمين وأن يطهر بلاد المسلمين من مظاهر الشرك والوثنية وعبادة القبور والأضرحة إنه جواد كريم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

أما بعد:

إن ما مرّ ذكره في الخطبة الأولى هو في الأصل رسالة القواعد الأربع لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .

وهي رسالة نافعة عظيمة القدر على اختصارها حريٌ بالمسلم أن يحفظها ويفهمها والشيخ محمد من أعظم الدعاة والمصلحين الذين ظهروا في تاريخ الإسلام وذلك أنه اقتفى منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فاعتنى ببيان التوحيد الحق الذي بعث الأنبياء لأجله واعتنى ببيان ما يضاده من الشرك فحارب مظاهر الشرك والوثنية والخرافة والبدع والمحدثات مع العناية بسائر الشريعة في العبادات والأخلاق وغيرها فنفع الله بدعوته أمماًَ كثيرة فتركوا الشرك وأخلصوا الدين لله وحده .

فاعتنوا أيها المسلمون برسائل الشيخ ومؤلفاته لا سيما التي قرر فيها توحيد الإلهية وبين فيها معالم الشرك فإنها من أنفع الرسائل والمؤلفات فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وجزى الله من أعانه على دعوته من حكام هذه البلاد ومن أشياخه وطلابه وأئمة هذه الدعوة السلفية كل خير أحياءً وأمواتاً إنه جواد كريم .

ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله ..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *