جديد الإعلانات :

العنوان : التقوى في حياة طالب العلم

عدد الزيارات : 10357

بسم الله الرحمن الرحيم
تقوى الله عز وجل هي المقصود الأعظم من طلب العلم، فلا يتقى الله حقاً ولا يخشى صدقاً إلا بالعلم، وخلاصة كلام أهل العلم في بيان معنى التقوى فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وبذلك تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه ومقته حجاباً وجنة ووقاية.
وشأن التقوى عظيم لذا أوصى الله بها عباده فعم وخص أمر الناس كلهم بالتقوى فقال (يا أيها الناس اتقوا ربكم) وأمر المؤمنين بالتقوى فقال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتقواه فقال (يا أيها النبي اتق الله) وهي وصية الله لنا ولمن قبلنا كما قال سبحانه (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) والأمر بالتقوى من آخر ما نزل من القرآن حتى روي عن ابن عباس وأبي سعيد وسعيد بن جبير وابن جريج أن آخر آية نزلت هي قوله تعالى (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [الإتقان في علوم القرآن 1/27]
وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في آخر حيته حيث قال (أوصيكم بتقوى الله) [رواه الترمذي وقال حسن صحيح 5/44ح 2676].
وبها كان يوصي أئمتنا إخوانهم وطلابهم ومن يتصل بهم والشواهد كثيرة ومنها ما جاء عن علي بن المديني (ت234هـ) أنه قال: ودعت أحمد بن حنبل (ت 241هـ) فقلت له توصيني بشيء؟ قال نعم: اجعل التقوى زادك، وانصب الآخرة أمامك. [مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص200]
وقال أبوعبيد القاسم بن سلام (ت224هـ): (دخلت البصرة لأسمع من حماد بن زيد (ت198هـ) فقدمت فإذا هو قد مات فشكوت ذلك إلى عبد الرحمن بن مهدي فقال: مهما سبقت به فلا تسبقن بتقوى الله) [تاريخ بغداد 12/408] أي إن كنت غلبت عليه فلا تغلبن عن تقوى الله عز وجل.
وقد رتب الله على التقوى خير الدنيا والآخرة فقال سبحانه وتعالى (إن المتقين في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر) (إن المتقين في جنات وعيون) (إن المتقين في جنات ونعيم) (إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون) (إن للمتقين مفازاً) (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له جراً). (إنما يتقبل الله من المتقين). (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وطالب العلم أولى الناس بتقوى الله تبارك وتعالى لأن حجة الله عليه قائمة، ولأنه قدوة لغيره من الناس يقتدون بعمله أكثر مما يقتدون بقوله، فصلاحه في نفسه صلاح لغيره وضلاله في نفسه إضلال لغيره.
وبين تحصيل العلم والانتفاع به وبين التقوى علاقة قوية جاء التنبيه على هذه الوشيجة بينهما في مواطن من كتاب الله تعالى قال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم) قال البغوي (قال مجاهد: مخرجاً في الدنيا والآخرة. وقال مقاتل بن حيان: مخرجاً في الدين من الشبهات. وقال عكرمة: نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون. وقال الضحاك: بياناً. وقال ابن إسحق: فصلاً بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفىء باطل من خالفكم والفرقان مصدر كالرجحان والنقصان) [تفسير البغوي 2/243]
ويدل على العلاقة بين العلم والتقوى أيضاً قوله تعالى (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً، وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً، ولهديناهم صراطاً مستقيماً) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما العلم اللدني فلا ريب أن الله يفتح على قلوب أوليائه المتقين وعباده الصالحين بسبب طهارة قلوبهم مما يكرهه، واتباعهم ما يحبه ما لا يفتح به على غيرهم، وهذا كما قال علي: (إلا فهماً يؤتيه الله عبداً فى كتابه) وفى الأثر: (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) وقد دل القرآن على ذلك فى غير موضع كقوله (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتاً. واذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً. ولهديناهم صراطاً مستقيماً) فقد أخبر أنه من فعل ما يؤمر به يهديه الله صراطا مستقيما [مجموع الفتاوى13/245].
ويدل على ذلك أيضاً قول الله تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله) على أحد التفسيرين. وذلك أن المفسرين منهم من جعل قوله ويعلمكم الله مرتباً على قوله واتقوا الله كأنه قال إن تتقوا الله يعلمكم الله ومن هؤلاء القرطبي والشوكاني وابن كثير قال القرطبي (وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا والله أعلم) [تفسير القرطبي 3/406]
ومنهم من جعلها جملاً مستقلة (واتقوا الله) جملة (ويعلمكم الله) جملة (والله بكل شيء عليم) جملة ومنهم الطبري والبيضاوي وأبو السعود والنسفي والآلوسي.
وإذا كانت التقوى من أعظم أسباب تحصيل العلم والانتفاع به، فالمعاصي من أعظم أسباب نسيان العلم ومحق بركته والعياذ بالله، قال تعالى (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث . ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون).
قال البغوي: قال عطاء: (أراد الدنيا وأطاع شيطانه وهذه أشد آية على العلماء وذلك أن الله أخبر أنه آتاه آياته من اسمه الأعظم والدعوات المستجابة والعلم والحكمة فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعمة والانسلاخ عنها ومن الذي يسلم من هاتين الخلتين إلا من عصمه الله). [مختصر تفسير البغوي 1/324]
ومن الأخبار المشهورة في هذا الباب البيتان المرويان عن الشافعي حيث يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
ومن عجيب ما يروى في هذا الباب قصة المرابط العالم الشنقيطي صاحب مراقي السعود شرح مراقي السعود (ت 1325هـ أو في التي تليها) أنه خرج ذات يوم فرأى بعض تلامذته مع نسوة يتحدثون إليهن، فقال لهم إخواني تلامذتي: إنني عندما جئت وأنشأت مدرستي كان لا يمكث عندي طالب عدة سنوات إلا استكمل جميع معلوماتي والآن عندي منكم جمع مكث أكثر مما يمكثه الطلاب الألون ولم ستكمل معلوماتي، وكنت أظن أن هذا مني والآن عرفت أنه منكم.. إلى أن قال: وأنا بالله الذي لا إله إلا هو ما عصيت الله عمداً منذ بلغت إلا مرة واحدة وذلك أني كنت أضع الفخوخ للطيور في وقت مبكر من عمري مع عبد لآل فلان وذات يوم سبقته للفخوخ فوجدت قرعة في فخه فنزعتها فجعلتها في فخي وما زلت إلى اليوم وأنا أستغفر الله لمالكيه. اهـ [مقدمة تحقيق مراقي السعود ص 21]
أخي طالب العلم:
ليس من شرط طالب العلم أن لا تقع منه المعصية، فكل بني آدم خطاء، ولكن على طالب أن يجتهد غاية الجهد في تطهير نفسه عن المعاصي والسيئات، وتكميلها وتزكيتها بالأعمال الصالحات، وحيث بدرت منه خطيئة فليبادر إلى التوبة والاستغفار، والاستكثار من صالح الأعمال (إن الحسنات يذهبن السيئات). جعلني الله وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ولا تجعل ما علمتنا وبالاً علينا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
علي بن يحيى الحدادي
16/10/1425هـ

One comment

  1. عړفات بادړ کازي بوۍ

    حفضکم الله تعال

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *