جديد الإعلانات :

العنوان : الأمر بالصبر على جور الأئمة وتحريم الانتحار احتجاجا

عدد الزيارات : 1547

أما بعد:

فإن الله تعالى أنزل على العباد شريعة كاملة تكفل لهم صلاح الدنيا وسعادة الأخرة، (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) ومما أمر الله به العباد مما فيه صلاح مجتمعاتهم، وقيام معاشهم، وثبات أمنهم ، واجتماع كلمتهم ، وقوة شوكتهم، أن يسوس الولاة رعاياهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وذلك هو العدل الذي أمر الله به فقال (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به)

وأمر الرعية أن تسمع وتطيع في المعروف فقال تعالى (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقال صلى الله عليه وسلم مبينا حدود هذه الطاعة المأمور بها لولاة الامور (إنما الطاعة في المعروف).

فإذا حكم الأئمة بالعدل وسمعت الرعية وأطاعت حصل بذلك الخير والسعادة وقيام مصالح الناس في دينهم ودنياهم، قال تعالى (الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وقال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ  [النور : 55 ، 56])

وقال تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) [الحج : 40 ، 41]

وإذا ضيع أحد الطرفين ما أمر به حصل لهم من الاختلال والاضطراب بقدر ما حصل من الولاة من الظلم والجور وبقدر ما يقع من الرعية من الخروج عن حبل الجماعة وربقتها.

لقد كان المسلمون في تاريخهم الأول مثالا حيا للامتثال لهذه التعاليم فجنوا العاقبة الحميدة عاشوا العيشة الرغيدة صدقوا الله فصدقهم ووفوا له فوفاهم ما وعدهم فأنزل الله عليهم الامن بعد الخوف والاجتماع بعد الفرقة والعزة بعد الذلة واستخلفهم في مشارق الأرض ومغاربها كما هو ظاهر واضح في عصور الخلفاء الراشدين والعقود التي أعقبتهم.

وحين يقع الخلل من الولاة بالجور والظلم والأثرة دون الرعية بالحظوظ الدنيوية أو من بعض الرعية بالمكر والخيانة والكيد والخروج  يحصل من الفساد الشيء الكثير ومن ذلك اختلاف الكلمة ووهاء الأمن وضيق المعيشة وتسلط الأعداء وفساد الدين والأخلاق وكثرة المنكرات وقلة المعروف..

ومن رحمة الله أن هذه الشريعة الغراء لما تغفل عن علاج هذه المشكلة بل عالجتها ووضعتنا أمام التعاليم الكفيلة بتقليل الشر وتكثير الخير وتجاوز المحن والسلامة من الفتن، وذلك أن وجهت أهل الحل والعقد وأهل العلم والذكر بمناصحة ولاة الأمور وتوجيههم للخير وتنبيههم على الشر وعدم السكوت عن الباطل لكن بالطريقة التي لا يترتب عليها زيادة تردي الأوضاع وهي الطريقة السرية في المناصحة والتوجيه.

ووجهت شريعتنا الغراء الرعية بلزوم الصبر وإعطاء الولاة حقوقهم من السمع والطاعة في المعروف وعدم اتخاذ أخطائهم وانحرافهم وسيلة للخروج عليهم لما يعلمه الله في ذلك من الفساد الأكبر والشر الأعظم الذي يفوق جور الحاكم وظلمه. أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ستكون أثرة  وأمور تنكرونها” قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال:” تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ” قال النووي : فِيهِ : الْحَثّ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي ظَالِمًا عَسُوفًا ، فَيُعْطَى حَقّه مِنْ الطَّاعَة ، وَلَا يُخْرَج عَلَيْهِ وَلَا يُخْلَع ؛ بَلْ يُتَضَرَّع إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي كَشْف أَذَاهُ ، وَدَفْع شَرّه وَإِصْلَاحه.اهـ

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

أما بعد:

فقد سمعنا أنفا التوجيه النبوي الكريم بوجوب إعطاء الحاكم حقه من السمع والطاعة وإن ظلم وأتى بالأمور المنكرة وهذا التوجيه ليس معناه رضى بالشرع بظلم الحاكم ولا إقراره على جوره وتضييقه على رعيته وإنما المقصود من ذلك تحمل المفسدة الصغرى حتى لا تقع المفاسد الكبرى والحفاظ على المصالح المتاحة الموجودة حتى لا تعصفَ بها الفتن فتذهب ثم لا تعود.

ومثل ذلك التوجيه قوله صلى الله عليه وسلم (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) قال ذلك بعد أن قال إنكم ستلقون بعدي أثرة. فأمر بالصبر واحتمال ذلك الجور. والصبر لا يأتي إلا بخير (إنه ممن يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).

وأما الطريقة الجاهلية التي تقوم على الدعوة إلى الاحتجاج العلني والعصيان المدني والمظاهرات الفوضوية وإتلاف المملتكات والتعدي على الأمن والمنافع العامة فليست من الإسلام في شيء وأشد من ذلك تحريق الإنسان نفسه تعبيرا عن اعتراضه على سياسة دولته فإن الله حرم قتل الإنسان نفسه فقال (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)  وقال صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) وفي الحديث أن رجلا قتل نفسه فقال الله (بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) ومن حرق نفسه ارتكب معصيتين الانتحار والتعذيب بالنار ولا يعذب بالنار إلا ربها كما في الحديث.

فعلى المسلم أن يتقي الله وأن يحكّم دين الله في نفسه كما يطلب من غيره ذلك، فإن الحكم بما أنزل الله فرض محتم حتى في طريقة إنكار المنكر على الحكام.

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *