جديد الإعلانات :

العنوان : إنكار المنكر عند الحزبيين

عدد الزيارات : 1522

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له مكانة عظيمة في الإسلام فإن الإسلام لا يقوم تمام القيام إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمعروف ما أمر به الشرع والمنكر ما أنكره الشرع.

والواجب على المسلم أن ينكر المنكر إذا رآه أو سمعه بيده إن كانت له سلطة أو بلسانه أو قلمه إن لم يكن له سلطة وبقلبه على كل حال.

وسواء صدر هذا المنكر من قريب حبيب أو من عدو بغيض أو من لا تربط الإنسان به صلة أو سبب خاص. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.

ولكن التحزب للأحزاب والجماعات المسماة بالإسلامية يقيد صاحبه ويعمي بصيرته فلا يكاد ينكر إلا ما أنكره حزبه الذي ينتمي إليه ولا يكاد يأمر إلا بما يأمر به حزبه كذلك.

وأصحاب هذا التحزب المقيت يقعون في محاذير كثيرة ومنها على سبيل الاختصار:

  1. التناقض في الأولويات فالشرع أوجب واجبات وحرم محرمات وجعل بعضها أشد من بعض وأكبر من بعض فأعظم الواجبات توحيد الله في العبادة وأعظم المحرمات الشرك بالله في العبادة. ثم تتدرج الأوامر والنواهي بعد ذلك كما هو معلوم.ولكن الأحزاب والجماعات الدعوية والحركية لها أولويات حزبية حركية تتحكم فيها مصالحها وهوى قادتها. لذا تجدهم يشنون حرباً شرسة على منكرٍ ما،  مع سكوتهم _من غير عجز_ عن منكر أكبر وأعظم منه بكثير . فمثلاً تجد الداعية الحزبي يولي اهتمامه كله أو أكثره قضية أخلاقية في مجتمعه لكنه يسكت تماماً عن منكر عقدي في مجتمعه ولو كان ذلك المنكر عبادة القبور والأضرحة!! كل ذلك لأجل المصلحة الحزبية؛ لأن الحزب يحتاج لحشد الجماهير والقضية الأولى تجلب لهم إعجاب الناس والقضية الثانية تنفر عنهم الناس إلا من رحم الله.
  2. الوقوع في التناقض فإن الذي يقرر نظام الحزب وتوجهاته بشر يدخلهم الجهل والنسيان، والهوى والتناقض وينطلقون من منطلقات حزبية تتبع المصلحة، فما يرونه اليوم حلالاً يرونه غداً حراماً، والعكس بالعكس ، ومَن يرونه اليوم مسلماً مؤمناً ولياً ، يرونه غداً كافراً فاجراً عدواً، والعكس بالعكس، مع أن ذلك الشيء أو ذلك الشخص لم يتغير فيه شيء وإنما تغيرت مصلحة الحزب. وهذا يفسر لك ما تراه مثلاً من الهجوم الشرس على تبرج أو اختلاط في مكان ، مع مدح ذلك التبرج بعينه أو ذلك الاختلاط بعينه أو أشد منه أو ممارستهم بأنفسهم له لكن في مكان آخر لأن مصلحة الحزب تقتضي ذلك. ومن تلك المصالح أن يكون الاختلاط الأول أو التبرج الأول في دولة يحرصون على تأليب الرعية فيها على حكامها، ويكون التبرج والاختلاط الذي يثنيى عليه أو يقر أو يمارس في دولة تتبنى فكر ذلك الحزب فهم يحرصون على إظهارها بأحسن صورة فالسئيات لا تذكر، بل يُجعل من سيئاتها محامد وحسنات.
  3. أن الحزبي نزّل حزبه منزلة المشرع فالمعروف ما عرفه نظام الحزب، والمنكر ما أنكره نظام الحزب. وكيف يتوافق هذا مع ما تدعو إليه هذه الأحزاب من الحكم بما أنزل الله ومحاربة الأنظمة القائمة لكفرها جميعاً _ في زعمهم_ لأنها لا تحكم بما أنزل الله، مع أن الحكم بما أنزل الله لو فطنوا يشمل الدين كله وليس ما يختص بشأن الحكم فقط. فالداعي والآمر والمفتي والحاكم عليهم جميعاً أن يحكموا الشريعة فيما يدعون إليه وينهون عنه في كل شؤونهم كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) وقال تعالى منكراً على اليهود ومحذراً لنا من سبيلهم (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب).
  4. التناقض في التعامل مع أصحاب المنكرات باعتبار المصلحة الحزبية فإن كان صاحب المنكر من رموز الحزب أو من أعضائه فلا ينكر عليه ولو جاء بالطوام كانتمائه إلى أسوء الفرق الصوفية التي تتخذ من القبور معابد ومزارات ومعتكفات، و لا ينكر عليه ولو وصف موسى عليه السلام بالشخصية العصبية المزاج المندفع صاحب الحنق الظاهر الذي يعوزه الصبر والحلم في المواقف التي تحتاج لهما.._ والعياذ بالله من هذا الإسفاف في حق موسى عليه الصلاة والسلام_ ، ولو وصف معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما  بالكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة شراء الذمم. ولا ينكر على الداعية إذا اتهم معاوية رضي الله عنه بالسرقة، أو سب عائشة رضي الله عنها أو زعم أن الولي يستطيع أن يخلق الجنين في بطن المرأة فهذه الموبقات كلها لا تبعث على الإنكار والاحتساب والغيرة على انتهاك محارم الله وحرمة أوليائه، ولا تمنع أيضاً من تزكية أصحاب هذه المقالات والاحتفاء بهم وتقبيل رؤوسهم ووصف برامجهم الدعوية بأنها تزيد الإيمان وترقق القلوب وتخدم الإسلام..

والسبب في ذلك هو الانتماء الحزبي الذي يفرض على دعاته وأهل الاقلام والكلمة فيه أن لا ينتقدوا هؤلاء مهما فعلوا وقالوا لأنهم ينتمون للحزب نفسه أو يخدمونه بخدمات ينتفع بها كتزكية رموزه أو غير ذلك من الخدمات.

وإلا فلو كان الإنكار لله تعالى وتديناً له وتنفيذاً محضاً لشريعته لأنكروا وبينوا على أوليائهم كما ينكرون على غيرهم سواء بسواء ولبرؤوا ذممهم أمام الله تعالى بالنصح للمسلمين من هذه الموبقات الكبيرة.

أين هذا الانتقاء من قوله صلى الله عليه وسلم (وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). وأين هذا الانتقاء من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على حِبّه وابن حِبِّه أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قتل الرجل متأولاً بعد أن قال لا إله إلا الله ، وأين هذا الانتقاء من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أحب الناس إليه من النساء أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما دخل بيتها ورأى في بيتها وسادة فيها صور تماثيل.

فالنبي صلى الله عليه وسلم ينكر المنكر على من رآه سواء كان من أهل بيته وأحب الناس إليه أم كان من غيرهم لأنه يمتثل أمر الله تعالى.

فأنصح نفسي وكل مريد لنفسه الخير أن يتعبد لله بإنكار المنكرات التي يقدر على إنكارها ويأمر بالمعروف الذي يقدر على الأمر به رضي من رضي من شخص أو حزب وغضب من غضب من شخص أو حزب .

                                   وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

                                                                                                 د. علي بن يحيى الحدادي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *