جديد الإعلانات :

العنوان : إن كان لكم خوارزم شاه فلنا ابن لادن

عدد الزيارات : 3294

أقبل التجار بأموال طائلة فدخلوا أسواق (خوارزم) وكانت بلدة عظيمة يحكمها ملك مسلم أوتي من القوة والبأس وسعة الملك ما لم يؤته كثير من جيرانه إنه (خوارزم شاه) و رفع عيون الملك نبأ هؤلاء التجار أصحاب الأموال الطائلة الذين جاؤوا لشراء الثياب والكسوة لملكهم وأنهم من جيرانهم من الأمة الكافرة التي تعبد الشمس وتسجد لها من دون الله فطمع الملك فيما معهم فأمر بهم فقتلوا وأخذت أموالهم وضمها الملك المسلم إلى خزينته ؟!!
بلغ الملك الكافر ما جرى على تجاره من البغي والتعدي من قبل جيرانه أهل الإسلام فأرسل إليه يتهدد ويتوعد وينذر فاستشار خوارزم شاه أهل مشورته فأشاروا عليه أن يبدأ دولة الكفر والوثنية بالهجوم لا سيما وتلك الدولة مشغولة بحرب مستعرة أوارها مع أمة من الأمم.

فعزم ونفذ وانقض بجنوده عليهم فنهب أموالهم وسبى ذراريهم وأطفالهم وقامت بينه وبينهم وقعة حامية الوطيس انتصر فيها (خوارزم شاه). وليت الأمور انتهت عند هذا الحد ولكن (هل ينفع شيئاً ليت)؟
لقد انتهت معركة الدولة الكافرة مع خصومها بانتصارها فتفرغوا لخوارزم شاه ودولته وجنوده بل للأمة التي ينتسب إليها خوارزم شاه أمة الإسلام.
جاء الملك الكافر بقوة ليس للمسلمين بها قبل ولا قوة ولا طاقة فماذا فعل؟

1 – حاصر (بخارى) ثم افتتحها صلحا ثم غدر بأهلها وأباحها لجنده فقتلوا أهلها وهتكوا أعراض نسائها ثم أحرقوا الدور والمساجد والمدارس حتى صارت بلاقع خاوية على عروشها.

2 – ثم سار إلى (سمرقند) فقهر أهلها وقتل منهم مائة وعشرين ألف رجل وسبى النساء والذرية.

3 – ثم سار إلى (مازندران) ففتحها ونهبها وقتل أهلها كلهم وسبى النساء ثم أحرقها.

4 – ثم سار إلى الري فدخلها وقتل وأسر وسبى.

5 – ثم سار إلى همدان فملكها دون عناء . وتتبع خصمه (خوارزم شاه) من بلد إلى بلد حتى اختفى فلا يدرى أين كانت نهايته؟.

ثم ما زال هذا الطوفان العظيم بقيادة ابنه من بعده يكتسح كل شيء في طريقه من أقصى المشرق حتى بلغ دار الخلافة بغداد (دار السلام) فقتل الخليفة وسبعمائة من رجالات الإسلام وزراء وعلماء مع أهاليهم فقوض دولة بني العباس ، وأباح بغداد لوحوشه الكاسرة الغاشمة فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والشيوخ والكهول والشبان ودخل كثير من الناس في الآبار والحشوش وبلغ عدد القتلى في بغداد وحدها دون من قتل قبل ذلك ثمانمائة ألف على أقل تقدير قدره المؤرخون ومنهم من بلغ بالعدد إلى أكثر من مليوني نسمة!!

أيها القارئ الكريم:

هذه نبذة مختصرة غاية الاختصار لمأساة الأمة الإسلامية بمحنة التتار بقيادة (جنكيز خان) وولده من بعده (هولاكو). وهي مأساة لم يشهد لها تأريخ الإسلام مثيلاً ذهبت فيها ممالك الإسلام وقتل ملايين المسلمين، وسبيت النساء وهدمت المساجد والمدارس والديار وكان ما كان مما يستعصي على الخيال تصوره.
ولكن لعلك الآن عرفت أن محنة التتار إنما كانت بتحرش ملك مسلم لم يحسن تقدير الأمور، ففتح على نفسه وعلى الإسلام وأهله جبهة ليس أهلاً لها.. واستجلب غضب قوة لا قبل له بها.. بدأها بالظلم والغدر فانتهت وبالاً على الإسلام والمسلمين.

والمتأمل في الكتاب والسنة يجد أن الله عز وجل كان يأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين في مكة بالعفو والصفح والإعراض عن المشركين لأنهم قلة مستضعفة فلو تحرشوا بقريش لأفنتهم قريش عن بكرة أبيهم، ولوئدت دعوة الإسلام في مهدها. ولهذا لم يفتح النبي صلى الله عليه وسلم جبهة عسكرية مع قريش ولا مع غيرها من قبائل العرب ولا مع دولة فارس ولا الروم مدة بقائه بمكة.

فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يبادر بقتال اليهود والمشركين بل عقد مع اليهود حلفاً اتفق فيه معهم على حسن الجوار وعدم التعدي والاشتراك في الدفاع عن المدينة إن حدث بها حادث.
ولما قويت شوكة المسلمين قليلاً أذن الله لهم بقتال من يقاتلهم ثم لما قويت شوكتهم أذن الله في القتال العام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين حيناً ويصالحهم حيناً إذا رأى المصلحة في الصلح كما في الحديبية ولو كان في شروط الصلح غضاضة على المسلمين، وربما عرض على العدو مالاً يدفعه لهم مقابل أن يكفوا أذاهم عن المسلمين كما عرضه على سيد غطفان يوم الخندق، إذ همّ أن يعطيه ثلث ثمار المدينة أو شطرها.
وهذه السياسة لم تنسخ بل هي باقية إلى قيام الساعة فحيث كان في المسلمين قوة وقدرة على الجهاد بالسيف جردوا سيوف الجهاد وجاهدوا من كفر بالله حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون عملاً بالآيات المدنية.

وحيث كان في المسلمين ضعف صالحوا عدوهم وهادنوهم بقصد صلاح أمر الإسلام وأهله، واشتغلوا بالعلم والدعوة والجهاد بالبيان وإعداد العدة حسب الاستطاعة حتى يأتي الله بالفرج عملاً بالآيات المكية فإنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين النصوص. وإذا خشي المسلمون ضراوة العدو وشدة بأسه وخافوا أخذ الديار وانتهاك الأعراض ونحو ذلك من صور الصغار فلهم أن يدفعوا عن الأنفس والأعراض والديار بأموالهم إذا لم يندفع شر العدو إلا بذلك كما تقدمت الإشارة إليه.

وها نحن نعيش في زمن عصيب، ضعف فيه المسلمون، ضعفوا بسبب ما كسبت أيديهم حيث تنكب أكثرهم الصراط المستقيم وسلكوا سبل البدع والمحدثات بدرجاتها المتفاوتة، وقصر أكثرهم في العبادات ابتداء بالصلوات الخمس التي أضاعها كثير من الناس إلا من رحم الله، وما ظنك بما دون الصلاة؟
تنكب أكثرهم أخلاق الإسلام الفاضلة ففشى في كثير منهم الكذب في الحديث، والإخلاف في الوعد، والفجور في الخصومة.غلب عليهم التفرق والتشرذم واختلاف الكلمة وتنافر القلوب.

أخلد أكثرهم إلى الكسل والتواكل ففرطوا في أسباب القوة العسكرية والاقتصادية والتنظيمية كل هذا في الوقت الذي اختلف فيه حال عدوهم من حيث اجتماع كلمته، وأخذه بأسباب القوة حتى تفوقوا في هذا الجانب على المسلمين بمراحل بعيدة أي بعد!.

في مثل هذه الأوضاع هل يسوغ لأحد أن يتحرش بأعداء الإسلام لا سيما الدول القوية الغاشمة الظالمة المتجردة عن معاني العدل والرحمة والإنسانية.. إن نتيجة التحرش بها عظيم الوبال على الإسلام وأهله.
هذه الحقيقة تؤكدها تجربة (خوارزم شاه) يوم تحرش بجنكيز خان وجنوده. فكان الذي كان.
ومن المحزن المؤسف أنه إذا كان لمسلمي القرن السابع الهجري (خوارزم شاه) فلنا في هذا العصر (خوارزم شاه) أيضاً إنه الذي تحرش حسب ظواهر الأمور في أحداث (11سبتمبر) بالدولة الكافرة التي أوتيت من أسباب القوة ما أوتيت فماذا جرى؟

لقد خسرنا أفغانستان في حادثة تتفتت لها الأكباد. وحصل على العراق ما حصل ولا يزال إلى هذه الساعة في أحداث متداعية عن الحدث الأصل والله أعلم أين ستنتهي الأمور لكننا نسأل الله اللطف بعباده إنه رؤوف رحيم.
ليت هؤلاء المتحمسين الذين جروا على المسلمين بحماسهم الويلات ليتهم قرؤوا تاريخ الإسلام إذا لم تقنعهم نصوص الكتاب والسنة وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، ليتهم قرؤوا التاريخ قراءة فاحصة واعية فلم يكرروا الخطأ.

ليت المطالبين اليوم بدخول بلادهم التي لم تتورط إلى الآن في أتون الحرب وهي ليست أهلاً لها ليتهم يتذكرون هذه العبر فتكون لهم عظة وعبرة. يا عجباً لمن لم تقنعه قواعد الشرع ونصوصه ولا أحداث التاريخ ودروسه يا ترى ما الذي يقنعه بعد.

وختاماً:

إن الذي ينكر حادثة التتار لغاية في العجب. ولكن أعجب منه من يصدق بحادثة التتار، ويدرك أن سببها تحرش الضعفاء بالفجرة الأقوياء ثم يجرب على مسلمي عصره ما جربه (خوارزم شاه) على مسلمي عصره. والله المستعان

علي بن يحيى الحدادي

13/3/1425هـ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *