العنوان : من الشرك لبس الحلقة والخيط
( الخطبة الأولى )
أما بعد:
فإن الله تعالى هو المتفرد بالربوبية فهو رب العالمين لا رب سواه يخلق ويرزق ويحيي ويميت وينفع ويضر ويبتلي ويعافي لا يخرج شيء عن سلطانه ولا يكون شيء بغير إذنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
لم يجعل الله لأحد من الخلق شيئاً من ذلك لا من الملائكة ولا النبيين فضلاً عمن دونهم قال تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) وقال تعالى (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) فهذا الله تعالى يأمر عبده ورسله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس أنه لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم لا يملك من ذلك شيئاً فهل يظن أن غيره من الخلق يملك شيئاً من ذلك؟ اللهم لا.
إن إيمان المسلم بهذا الأصل العظيم يوجب عليه أن يكون قلبه معلقاً بالله وحده في السر والجهر واليسر والعسر والرخاء والشدة. إليه يلجأ وبه يستعيذ وعليه يتوكل.
قال تعالى (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) وقال تعالى (فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ) وقال تعالى (فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم). وأثنى الله على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يلجؤون إلى الله عند الفزع فقال تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
ومع كون الاستعاذة بالله توحيدا والاستعاذة بغيره شركاً إلا أن ذلك لا يمنع من الأخذ بالأسباب المباحة التي تقي من الشرور بإذن الله كأخذ العلاج للمرض والاتقاء بالظل من الشمس والاتقاء بالصوف من البرد واللجوء للحاكم من عدوان بعض الرعية وهكذا في جملة كبيرة من الأمثلة ..
فالأخذ بالأسباب المباحة من تمام التوكل على الله كما أن تعطيلها قدح في الشرع و نقص في العقل
فإن الله أجرى الأمور بأسباب تسبقها وإذا شاء سلب ذلك السبب خاصيته فلم يؤثر ولم يجد شيئاً كما جعل النار محرقة ولما ألقى قومُ إبراهيمَ إبراهيمَ في النار ليحرقوه قال الله للنار (كوني برداً وسلاما على إبراهيم) فكانت برداً وسلاماً لم تحرقه ولم تمسه بسوء.
ولكن من الناس من يتقي الشر قبل نزوله أو يحاول الخلاص منه بعد نزوله بالأسباب المحرمة ومنها لبس الحلقة والخيط وتعليق التمائم على الإنسان أو الحيوان أوالمركب أو المنزل.
فمن علق هذه التمائم فهو بين أحد رجلين إما أن يعتقد أن هذا الحروز أو التمائم تدفع الضر بنفسها وقوتها وخاصيتها فهذا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام لأنه اعتقد مع الله شريكاً يملك الضر والنفع.
وإما أن يعتقد أنها سبب بإذن الله فهذا شرك أصغر صاحبه على خطر كبير لكنه لا يخرج من ملة الإسلام.
وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة ومحذرة من تعليق التمائم بكل أشكالها وأنواعها سواء كانت من الطلاسم أو الريش أو الجلد أو المخلوقات البرية أوالبحرية أو من الخيوط أو المعادن أوغيرها.
بل إن عموم النصوص يدخل فيها تعليق القرآن والأحاديث بقصد الوقاية من الشرور أو إزالتها وهو مذهب جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وغيره.
فمن النصوص الواردة في هذا الباب حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال : ما هذه ؟ قال : من الواهنة قال : انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهى عليك ما أفلحت أبدا رواه أحمد بسند لا بأس به.
فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل الذي لبس الحلقة بسبب المرض الذي أصابه فاضعف يده وأمره بنزعها بشدة وسرعة وثم أخبره بأنه لو مات قبل أن يتوب منها لما أفلح ولما فاز ولكان مصيره إلى النار والعياذ بالله.
وعن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له)
أي من تعلق قلبه بتميمة فلا أتم الله له قصد وطلبته ومن تعلق ودعة فلا جعله الله في دعة ولا سكون ولا راحة ولا طمأنينة يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عقوبة له لمّا أقدم على هذا العمل الشركي الذي يقدح في التوحيد وإخلاص الدين لله.
وأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم رهط يبايعونه فبايع تسعة وأمسك عن العاشر فقالوا يا رسول الله بايعت تسعة وأمسكت عن هذا ؟ فقال : إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال : (من تعلق تميمة فقد أشرك)
أي فقد أشرك شركاً أكبر إن اعتقد في التميمة أنها تدفع الضر بنفسها وشركاً أصغر إذا اعتقد أنها سبب في دفع الضر فالله لم يجعلها سبباً بل نهى عنها وعدها شركاً.
ودخل حذيفة رضي الله عنه على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ثم قال: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) أي ما يؤمن أكثرهم بالله رباً إلا وهم يشركون في عبادته شركاً أكبر أو شركاً أصغر وقليل من الناس من يحقق التوحيد.
وما أحسن ما فعل حذيفة حيث استنقذ هذا المريض من هذا العمل الشركي الذي كاد أن يوبقه
وهكذا من رأى منكراً ولا سيما في باب التوحيد فعليه أن يبادر بإنكاره حسب الاستطاعة وحسب قواعد الشريعة. لأن السكوت عن الإنكار والبيان هو الذي يتسبب في انتشار الشر وعموم البلوى به وتجرؤِ الناس عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
( الخطـبة الثانـــية )
فإن التعلق بالتمائم من أمور الجاهلية وخصالها التي لا يزال يتعلق بها بعض الناس مع الأسف البالغ وقد جاءت الشريعة كما سمعنا بحربها والنهي عنها فعلى المسلمين جميعاً الإقلاعُ عنها والبراءة منها وإتلاف ما وجد منها والحذر من تلاعب الشيطان بالعقول والنفوس فلو كانت خيراً لدل عليها الشرع.
إن من الناس من يلبس عليهم الشيطان بالتجارب فتجده يقول لبس التميمة فلان وشفي ولم يلبسها فلان فلم يشف ، وآخر يقول لم نضعها للمولود الأول ومات والثاني ومات فلما وضعناها للولد الثالث عاش وهكذا في قصص كثيرة
ومما يجب التنبه له أن التجارب لا يجوز أن تكون دليلاً تعارض به نصوص الشريعة ولكن هذه القصص إذا ثبتت فهي من باب الابتلاء والاختبار يمتحن الله عباده ليتبين من يثبت على الصراط المستقيم ومن تزل به القدم إلى طريق أصحاب الجحيم.
ومن التمائم المنتشرة تعليق جلود الذئاب وتعليق رسمة العين الزرقاء وتعليق الخرق السوداء على السيارات ووضع المصحف في السيارة لحماية السيارة وكتابة بعض الأذكار على البيوت إلى غير ذلك من صور التمائم الكثيرة المنتشرة نسأل الله أن يطهر المجتمع الإسلامي منها.
ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله ....الخ...