جديد الإعلانات :

العنوان : لمحات من سيرة الإمام المجدد

عدد الزيارات : 1993 عدد مرات التحميل : 32 - تحميل

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)

أما بعد:

فإن في قصص الصالحين عظةً وعبرة وأسوةً وقدوة تُشحذ بها الهمم وتحيا بها القلوب وتزداد بها المحبة في الله لأولياء الله والصالحين من عباده.

وإن من أعظم الرجال في القرون المتأخرة الذين جدد الله بهم معالم الدين وأحيا بهم سنة سيد المرسلين الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.

نشأ هذا الإمام نشأة صالحة فحفظ القرآن قبل البلوغ، وشبّ على الجد والاجتهاد في طلب العلم على والده وغيره من علماء نجد ثم رحل إلى مكة والمدينة، ثم رحل إلى الأحساء ثم إلى البصرة . إن كل هذه الرحلات الطويلة الشاقة إنما كانت من أجل تحصيل العلم والتزود منه كما هي سنة السلف الصالح.

رجع بعد هذه الرحلات المباركة متضلعاً من العلوم الشرعية التي تلقاها على شيوخه والتي كانت تعنى بالفقه ثم الحديث ولكنّ الشيخ رحمه الله ضم إليها العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وعني عناية فائقة بالتفقه في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سيما ما يتعلق بتوحيد الله وما يضاده من الشرك بأنواعه ووسائله.

ورأى كما رأى عدد من أهل العلم في زمنه أن كثيراً من الناس من العامة والخاصة والمتعلمين والأميين على قد غلبت عليهم البدع والمعتقدات الفاسدة والجهل بمعنى لا إله إلا الله فصرفوا بسبب ذلك العبادة للأولياء والأضرحة والقبور.

فلما تبين له ذلك بالحجة والدليل قام قومة صادقة يدعو الناس إلى الدين الخالص الصافي من شوائب الشرك والبدع والمحدثات والخرافات. لم يجبن ولم يداهن ولم يجامل فدعا ونصح ووعظ وبيّن ، ابتدأ في حريملاء ثم خرج منها إلى العُيينة مسقطِ رأسه وعرض دعوته على أميرها فتقبلها وناصرها وكثر المنتفعون بها ولما برز اسم الشيخ ودعوته إلى التوحيد تعرض الأمير لبعض التخويف والترهيب فلم يحتمل الأذى في ذات الله ولم يستطع الصبر على فوات الحظوظ الدنيوية فأمر الشيخَ بالخروج من إمارته وحاول الشيخ أن يثبته وأن يبشره بالفرج والنصر إذا صبر ولكن أراد الله غير ذلك.

فتوجه الشيخ إلى الدرعية وكانت قرية صغيرة فنزل على أحد طلابه فيها ولما علمت زوجة أميرها بمقدم الشيخ وكانت امرأة عاقلة حكيمة موفقة وقد عرفت أن الشيخ يدعو إلى الله وحده وإلى اتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم لا ناشرَ بدع ولا طالبَ ملك ولا خاطبَ دنيا فأشارت على زوجها أن يحسن ضيافة الشيخ وأن يذهب بنفسه إليه في دار تلميذه ابن سويلم رحمه الله وتم اللقاء بين الأمير محمد بن سعود وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب فصارحه الشيخ أنه يدعو إلى إفراد الله بالعبادة وترك عبادة القبور والأضرحة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأنه يريد النصرة من الأمير للقيام بهذه الدعوة فشرح الله صدر الأمير فاقتنع بدعوة الشيخ لأنها دعوة توافق الفطر السليمة إذا سلمت من التعصب والهوى فهي دعوة القرآن والسنة وما كان عليه سلف الأمة.

وتمت البيعة والمعاقدة المباركة بين الإمامين على نصرة التوحيد فانطلق الشيخ داعياً ومعلماً وواعظاً وناصحاً ومجادلاً بالتي هي أحسن بلسانه وقلمه قد قرّت عينه أن منّ الله عليه بالعضد المتين والركن الشديد. وما أعظم النفع إذا اجتمع العِلْمُ الهادي والسيفُ الناصر، وبارك الله في عمر الشيخ وعلمه ودعوته وتلاميذه فملأ الدنيا علماً وانتشرت دعوته في الآفاق ونفع الله بها من الخلائق من العلماء فضلا عمن دونهم من لا يحصيه إلا الله.

وبارك الله في تلك القرية الصغيرة فصارت عاصمة لدولة سلفية واسعة الآرجاء مترامية الأطراف تضم عامة الجزيرة العربية وأجزاء من غيرها.

وبارك الله في أنصار الدعوة من آل سعود فكان منهم أئمة جمعوا إمامة العلم وإمامة الدولة جردوا الصوارم والسيوف وتعرضوا للمنايا والحتوف مجاهدين في سبيل الله مدافعين عن أنفسهم وأعراضهم وديارهم مجاهدين في سبيل الله مَن وقف في وجه دعوة التوحيد مصراً على استمرار عبادة الأضرحة والأولياء والأشجار والغِيران التي كان الناس يعبدونها في ذلك الزمان في نجد وغيرها.

ثم مات الشيخ رحمه الله وقد جاوز التسعين عاماً من عمره ولكن دعوته التجديدية الإصلاحية لم تمت، وتعرضت دعوته لأهوال عظيمة وابتلاءات جسيمة لقي فيها آلُ سُعود وآلُ الشيخ ورعاياهم ما لقوا من صنوف الأذى والقتل والأسر والتشريد على أيدي أعداء التوحيد من أهل الجزيرة ومصر والترك. وسقطت الدولة مرتين ولكنها لم تمت والحمد لله فأقام دروتها الثالثة الإمام الصالح والملك المجدد عبد العزيز بن عبدالرحمن أقامها على الأسس نفسها التي قامت عليها دولة أسلافه الصالحين مِنْ قبله دولةَ توحيد وعقيدة. وسنة وشريعة. مع الاستفادة من المستجدات الدنيوية المعاصرة التي لا تخالف الشرع.

وها نحن اليوم في هذه المملكة المباركة نتفيأ ظلال هذه الدعوة الكريمة وظلال تلك البيعة المباركة بين الإمامين فقد جمع الله بهم شملنا بعد الفرقة وأعزنا بهم بعد الذلة وأغنانا بهم بعد الفقر والعَيْلة وبصّرنا بهم بعد الجهالة وأمّننا بهم بعد المخافة. وذلك مصداقاً لقوله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55]

فرحم الله الإمام محمد بن عبدالوهاب ورحم الله الإمام محمد بن سعود وجزاهم عن الإسلام والسنة خير الجزاء.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ولي المتقين ولاعدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لم يخترع منهجاً ولم يبتدع مذهبا أما عقيدته فهي عقيدة السلف الصالح وأما مذهبه في الفقه فهو على مذهب الإمام أحمدَ بنِ حنبل ولكنه سلك مسلك التحقيق فمتى تبين له الدليل على خلاف المذهب أخذ بالقول الذي يؤيده الدليل كما هي وصيةُ أئمةِ السلف والأئمةِ المتبوعين أنفسِهم.

وكان من أبعد الناس عن التكفير وإراقة الدماء فلم يكفر أحداً ممن خالفه أو استحل دمه إلا بشيء اتفق العلماء كلهم على أنه مُكَفِّر مبيحٌ للدم.

فما أعظم افتراء خوارج العصر الذين كفروا المسلمين بغير حق واستباحوا الدماء والأعراض بغير حق وكانوا عذاباً ووبالاً على الإسلام وأهله ثم يزعمون أنهم يتبعون في ذلك الإمام محمد بن عبدالوهاب وهم في الحقيقة أعداء دعوته إنما يريدون تشويهها وزيادة تنفير الناس عنها وتأليب العالم على هذه الدولة المباركة التي قامت على دعوته رحمه الله.

وما أعظم الافتراء والبهتان الذي يطلقه بعض أبناء هذه البلاد حين يزعمون أن داعش ما هي الا نبتة سلفية أو أنها نتاج تراث الشيخ وتلاميذه. مستدلين بأنهم يطبعون كتب الشيخ ويدرسونها، وهل هذا دليل؟!، إن الخوارج يستدلون بالقرآن فهل يقال هم نبتة قرآنية؟! والخوارج يستدلون بالحديث فهل يقال هم نبتة نبوية؟! معاذ الله فالقرآن والسنة منهم براء لأنهم يستدلون بها استدلالاً باطلا.  وكذلك هؤلاء إن تعلقوا بشيء مما في تراث الشيخ وتلاميذه فبفهم بليد سقيم أو تحريف متعَمد أثيم.

فليتق الله هؤلاء الشاهدون بالزور فإنه لا يعود وبالُ تلك الشهادةِ الكاذبةِ إلا عليهم.

وأما الشيخ فنرجو أن تكون هذه الافتراءاتُ حسناتٍ في صحيفته يكثّر الله بها حسناِته ويرفع بها درجاتِه ويثقل بها موازينه.

 معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *