العنوان : كثرة الطلاق – أسبابه وعلاجه
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في الجهر والخفا واستمسكوا بالعروة الوثقى فمن اتقى الله صلحت دنياه وأخرته وحسنت مباديه وعاقبته (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً) .
إخوة الإيمان:
إن من القضايا المقلقة المفزعة ما يشهده مجتمعنا من تزايد في نسب الطلاق وكثرته وإذا صدقت بعض الدراسات المنشورة فإنه في الرياض فقط تقع حالة طلاق في كل ثلاث ساعات تقريباً.
ما من شك أن الطلاق حكم شرعي ننظر إليه على أنه حكم شرعي بالرضا والتسليم فحكم الله حق وحكم الله خير وحكم الله أحسن الأحكام وأقومها وأعدلها، ولكن الشرع الحكيم جعله أخر الحلول وسبقه بتوجيهات عظيمة يكفل تطبيقها ندرة الطلاق وقلته ، فأمر بالعشرة بين الزوجين بالمعروف والإحسان ، وحث على التغاضي والصفح، وأمر بالحلم والصبر، وأمر بعدم التمادي مع الغضب أو اتخاذ القرارات في فورة الغضب.
حث عند حصول المشكلات الزوجية بوعظها ثم بهجرها ثم بضربها ضرباً غير مبرح ثم بتحكيم طرفين عاقلين حريصين على مصلحة الزوجين. كل ذلك حتى لا تقع كارثة الطلاق.
ثم نهى عن الطلاق في الحيض والنفاس لأنه وقت لا يمكن فيه تمام استمتاع الرجل بالمرأة بخلاف شأنها في الطهر، ولأنها في تلك الأثناء تكون في حالة نفسية يشوبها شيء من الاضطراب والعصبية والتغير وتعكر المزاج فهو مظنة التقصير في حقوقه. ولحكم أخرى تتعلق بالعدة ومالا يعلمه إلا الله.
ونهى عن الطلاق بعد الجماع لأنه قد يتبين حملها فيتراجع الزوج عن قراره الذي عزم عليه إذا علم أن في رحمها ولداً سيخرج إلى الدنيا يحمل اسمه وينتظر الفرحة به.
ونهى عن طلاق الثلاث دفعة واحدة حتى يكون هناك طريق للرجعة وتصحيح الأخطاء والندم على ما فات من التقصير..
والمقصود من هذا كله أن الطلاق وإن أذن فيه الشرع إلا أنه لم يكن حريصا عليه ولا جعله أول الحلول ولا جعله مطلقاً منفلتاً بلا قيود .
أيها الإخوة:
إن اسباب كثرة الطلاق كثيرة ومنها ما يعود إلى أسباب يمكن تلافيها قبل وقوعها ومنها على سبيل المثال:
التعجل في اختيار الزوج أو الزوجين فلا يتحرى الرجل عن الفتاة ولا ولي الفتاة عن الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يقول للرجل (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ويقول صلى الله عليه وسلم للفتاة ووليها (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) فينتج عن العجله في الموافقة أن يكتشف الرجل في أهله بعد الزواج خللاً أخلاقياً كبيراً أو تكتشفَ هي فيه ذلك من فعل فواحش أو تعاطي المسكرات والمخدرات ثم يكون مصير تلك الأسرة إلى الانهدام السريع.
ومنها مخالفة الشرع في مسالة النظرة الشرعية فبعض الأباء يرفض النظرة الشرعية فإذا تمت الدخلة راى ما لا يناسبه أو رأت مالا يناسبها ويلائمها فتحدث النفرة ثم تزداد حتى يقع الطلاق.
ومنها مخالفة الشرع في مسالة أخذ إذن الفتاة في التزويج فبعض الأسر ترغم الفتاة على الزواج من فلان بن فلان فتقدم العادة على الشرع فتكون العاقبة وخيمة وتقع الندامة لكن بعد فوات الأوان.
ومنها الظلم والتعدي على مال الزوجة بغير حق ، ومنها الظلم في القسم والعدل بين الزوجات عند التعدد.
ومنها تقصير المرأة في شؤون بيتها وزوجها بسبب عملها، ومنها إرهاق المرأة الرجل بكثرة المصاريف والطلبات والنفقات التي تثقل كاهله وهي في غالبها ليست ضرورة وإنما من باب التكميل أو الإسراف وحب المظاهر وتقليد الأخرين.
ومنها تدخل أهل الزوجين في شؤونهما وتحريض أحد الطرفين على الأخر، ومنها سوء تعامل الزوجة مع أهل الزوج وبناء العلاقة على أساس من العداوة والبغضاء، أو تعامل أم الزوج وأخواته مع زوجة الابن أو زوجة الأخ على هذا الأساس.
ومنها ما يكون بسبب الطيش وخفة العقل وقصر النظر والتهاون في شأن عقد الزوجية فترى الرجل يطلق للسبب التافه الحقير لسرعة غضبه أو لإظهار رجولته.
ولو ذهبنا نتتبع الأسباب لطال المقام لكن فيما ذكر تنبيه على ما لم يذكر.
أيها الإخوة:
إن الفائدة من سرد هذه الأسباب أن تكون منبهة على العلاج والدواء فإن المرض إذا عرف سببه أمكن علاجه بإذن الله. والبعدُ عن هذه الأسباب واجتنابها والتحلي بما يضادها مما يوافق الشرع الخلق الكريم كفيل إن شاء الله باستمرار الحياة الزوجية السعيدة وتجاوز ما يعترض طريقها من العقبات التي لا يكاد يخلو منها عش الزوجية.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن مما نوصي به أنفسنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا الحرصَ على التخلق بأخلاق الشرع والوقوف عند حدوده في كل شؤوننا ومن ذلك ما يتعلق بالشؤون الأسرية والقاعدة في ذلك المعاشرة بالمعروف بأن يقوم كل من الزوجين بواجبه تجاه صاحبه قدر الطاقة، مع ضرورة التغاضي عما يقع من الخلل من التقصير فكما أن المرأة قد تقصر وتخطيء ولا سيما من جهة لسانها وكلامها فكذلك أنت ايها الرجل قد يقع منك تقصير وخلل ولكن يبقى أن فيها من المحاسن وجوانب الخير ما يزيد أو يكافئ ما فيها من النقص وأنت بالنسبة لها أيضاً كذلك يقول صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها أخر) يعني لا يبغض الزوج الزوجة لعيب فيها فثمت محاسن تقابل ذلك العيب وتغطيه من محبتها لك مثلاً ورعايتها لشانك وبيتك وولدك ووالديك واعانتها لك على دينك إلى غير ذلك من الجوانب الطيبة المشرقة.
ومتى رايت شيئا من الخلل والعوج فعالج المشكلة بنفسك بالتي هي أحسن فإن ضاق بك النظر والفكر فاستشر أهل الخبرة والعلم والنصح. وفكر ملياً في عواقب الطلاق ومآلاته ولا سيما على المرأة التي قد تبقى عمرها أو كثيراً من عمرها في بيت أهلها _ إن كان لها اهل _ بلا زواج وما قد يجره ذلك من الضرر عليها في نفسها أو خلقها أو معيشتها والله يقول (ولا تنسوا الفضل بينكم)
وفكر مليا فيما سيجره هذا القرار على أولادك وأطفالك الذين سيعيشون متشردين قلقين بين بيت أهل الأب وأهل الأم وما يسمعون ويرون من المشكلات والخصومات والنزاعات التي لا تتنتهي ، إن التربية اليوم بالغة الصعوبة في بيوت أمنة مستقرة فكيف بالتربية في بيوت متفككة واسر متهدمة .
إن قرار الطلاق ينبغي أن يؤجل إلى أن تنفد كل وسائل الإصلاح والعلاج والحلول الممكنة تلافياً لأثاره السئية ولو صح الحديث القائل (ابغض الحلال إلى الله الطلاق) لاستشهدت به في هذا المقام ولكنه ضعيف عند أئمة الحديث كابي حاتم وغيره.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين ..
حفظ الله الشيخ ورعاه
أسباب كثرة الطلاق وعجله فى المجتمع