أما بعد:
فإن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على محجة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك.
وكان أعلم الناس بما جاء به وأتبعهم له هم أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين فهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً من اقتدى بهم اهتدى ومن خالفهم وتنكب سبيلهم ضل وفي ذلك يقول تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) فجعل ما آمن به الصحابة معياراً يعرف به الهدى من الضلال وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الفرقة الناجية من النار قال (ما أنا عليه وأصحابي) رواه الترمذي.
وقد اتبع سبيلهم قوم فاهتدوا وهم الذين اشتهروا وعرفوا بأهل السنة والجماعة وبأهل السنة، وأهل الأثر، وعرفوا بالسلفيين، فهذه الأسماء والألقاب أسماء شرعية تدل على معان صحيحة فتسميتهم بأهل السنة لأنهم التزموا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والتزموا بالعقيدة الصحيحة التي جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لزموا السنة واجتنبوا البدع والمحدثات في الدين.
وسموا بالجماعة لأنهم اجتمعوا على الحق على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم تابعوا الجماعة التي لم تختلف ولم تتفرق في الدين وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، ولأنهم يوصون بالاجتماع على ولاة الأمور وترك مخالفتهم ومنازعتهم الأمر تمشياً مع النصوص في هذا الباب.
وسموا بأهل الأثر لأن مصدرهم في الاعتقاد كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع تفسير النصوص وبيان معانيها عن طريق تفسير الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلا يأخذون عقيدتهم من علم الكلام ولا الفلسفة ولا الآراء البشرية المحضة.
وسموا بالسلفيين نسبة إلى مَن تقدمهم وسبقهم في الإيمان والعمل الصالح وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون لهم بإحسان.
والعبرة فيمن تسمى أو سمي بشيء من هذه الأسماء والألقاب هي بمطابقة واقعه وحاله لهذه النسبة لأنه قد يتسمى بها أو قد تطلق على من ليس من أهلها بل على من هو عدو لها فكثير من أهل البدع كالخوارج وغيرهم يتسمون بهذه الأسماء لتضليل الناس وخداعهم ولتشويه الدين الحق وتشويه حملته بحق.
ومما ينبغي أن يعلم أن التسمي بهذه الأسماء الشرعية ليس من تفريق الأمة وتشتيت كلمتها وإنما هو من باب التمييز بين أهل السنة حقاً وبين أهل الأهواء والبدع.
ولأهل السنة حقاً مميزات تميزهم عن غيرهم ومنها:
أولاً: أنهم يأخذون عقيدتهم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمسكون بما عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم). بخلاف المعتزلة والأشاعرة الذين يجعلون الفلسفة وعلم الكلام مصدراً للاعتقاد فوقعوا فيما وقعوا فيه من نفي صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه أو تحريفها وتأويلها عن معناها الصحيح.
ثانياً: أنهم يفردون الله بالعبادة فلا يدعون مع الله تعالى نبياً ولا ملكاً ولا ولياً ولا يتمسحون بالقبور ولا يتبركون بها لقوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) أما الغلاة في الأولياء والقبوريون والخرافيون من الصوفية والروافض وغيرهم فإنهم يصرفون لأوليائهم أنواعاً عديدة من العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر.
ثالثاً: أنهم يعتقدون أن العبادات مبناها على التوقيف والاتباع وليست مجالاً للهوى والاختراع لذا يذكرون الله ويصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في النصوص الثابتة الصحيحة فلا يتقربون إلى الله بذكر الله تعالى على أنغام الطبول والدفوف والموسيقى والتصفيق والرقص كما يفعله أصحاب الطرق الصوفية.
رابعاً: أنهم يتعاملون مع الحكام وولاة الأمور بما شرعه الله في كتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم في سنته وما كان عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان فيسمعون لهم ويطيعون في المعروف كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ويفون لهم ببيعتهم وعهدهم ولا يخرجون عليهم ولا ينازعونهم حقهم في الحكم ويتعاونون معهم على البر والتقوى وينصحون لهم ويدعون لهم أبراراً كانوا أم فجاراً بخلاف ما عليه الخوارج والمعتزلة والجماعات الدعوية السياسية التي تقرر الخروج على ولاة الأمور وتسعى لقلب أنظمة الحكم بغير دليل ولا برهان شرعي إنما بالهوى والآراء المضلة.
خامساً: أنهم لا يكفرون أصحاب الكبائر من المسلمين ولا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا يستحلون الدماء المعصومة إلا بحقها بخلاف الخوارج والتنظيمات الإرهابية المعاصرة التي تقوم على تكفير المسلمين بغير وجق وباستحلال دمائهم بغير وجه حق فلقي منهم المسلمون بلاء عظيماً لعلهم لم يروا مثله من قبل على يد يهودي ولا نصراني ولا وثني والعياذ بالله.
سادساً: أنهم في باب الجهاد يرون الجهاد تحت راية ولاة الأمور لا يشذون عنهم ولا يسبقونهم به وقد قال صلى الله عليه وسلم (الإمام جنة يقاتل من ورائه) بخلاف التنظيمات الغالية الإرهابية المعاصرة التي تشعل الفتن باسم الجهاد ثم تكون العواقب وخيمة أليمة يزداد المسلمون بها ضعفاً ويزداد العدو بها تسلطاً ثم تنقلب إلى فتن داخلية تخلع فيها البيعة ويشق فيها عصا الطاعة ويقتتل فيها المسلمون فيما بينهم حتى يقتل الرجل أمه وأباه وعمه وأخاه والعياذ بالله باسم الجهاد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: ومن مميزات أهل السنة والجماعة أنهم يتولون كل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأهل بيته من آمن منهم يحبونهم جميعاً ويتولونهم ويترضون عنهم ولا يحملون في قلوبهم بغضاً ولا غلاً ولا حقداً على أحد منهم كما قال تعالى بعدما ذكر المهاجرين والأنصار (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) بخلاف الشيعة والرافضة والخوارج والنواصب الذي يتولون بعضاً منهم ويبغضون بعضاً ويوالون بعضاً ويعادون بعضاً ويشهدون بالإيمان لبعض ويحكمون بالكفر على بعض والعياذ بالله.
ثامناً: أنهم يقدمون قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد فلا يتعصبون للأقوال التي تخالف كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كانت جلالة قائلها فالله عز وجل إنما تعبدنا باتباع كتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) كما أنهم يحاربون البدع والمحدثات كلها ويردونها ويردون على أهلها لا يحابون في ذلك أحداً لأن نفي البدع من أعظم صور الجهاد التي تحفظ على الإسلام صفاءه ونقاءه.
تاسعاً: أنهم يوقرون علماء السنة وأئمتهم ومنهم الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه لما قاموا به من الجهاد العظيم في بيان التوحيد والسنة والرد على الشركيات والبدع والخرافات والأوهام.
عباد الله: هذه بعض الصفات والمميزات التي يمتاز بها أهل السنة والجماعة وبها يسهل تمييزهم ومعرفتهم وبمخالفتها يسهل معرفة من ليس من أهل السنة والجماعة وإن تسمى باسمهم وحمل لقبهم.
فتعلموا عقيدتكم وافهموها وتمسكوا بها ولا تلتفتوا لمن يحاربها أو يشوش عليها، وإن من التحدث بنعمة الله ومن باب الاعتراف بالفضل لأهله التنويهَ والتذكيرَ بأن هذه الدولة السعودية المباركة دولة قائمة بحق وحقيقة على تبني عقيدة السلف الصالح واعتمادها في الحكم والتعليم والقضاء وغير ذلك فنسأل الله أن يحفظ قادتها من كل سوء وأن يزيدهم قوة ومنعة وتأييداً وعزاً إنه سميع الدعاء.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين…