جديد الإعلانات :

العنوان : التحذير من التسرع في التكفير

عدد الزيارات : 2963 عدد مرات التحميل : 31 - تحميل
أما بعد:

فإن التكفير من القضايا الخطيرة التي لا يجوز الدخول فيها ولا الخوض فيها إلا من قبل أهل الرسوخ في العلم أهل التقوى والورع ممن عقلوا عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح.

لأن التكفير حكم شرعي كالتحليل والتحريم فالكافر من كفّره الله ورسوله كما في الحديث (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فلا بد من الدليل على التكفير من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كفّرت َيا عبد الله من ليس أهلا للتكفير رجع التكفير عليك فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجع عليه" متفق عليه واللفظ لمسلم.

والحكم على معين بالردة تترتب عليه أحكام كثيرة بالغة الخطورة من حل دمه وانفساخ عقد نكاحه و منعه من التصرف في ماله إلى غير ذلك من الأحكام.

وقد ابتلي كثير من الناس ومن الشباب خاصة بالخوض في التكفير بغير حق واستحلال الدماء بغير حق ، والبغي على من يخالفهم من أهل العلم بتكفيرهم أو تبديعهم أو تفسقهم.

فمن أوسع الأبواب التي حصل فيها التكفير بغير حق التكفير بالحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً دون تفصيل وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن هذه القضية فأجابت بالتفصيل أي أنه تارة يكون كفراً أكبر وتارة يكون كفراً أصغر : فقالت اللجنة : " قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}  وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزا فهو كفر أكبر، وظلم أكبر، وفسق أكبر يخرج من الملة، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم، يعتبر كافرا كفرا أصغر، وظالما ظلما أصغر، وفاسقا فسقا أصغر لا يخرجه من الملة، كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة. اهـ كلام اللجنة.

ومما حصل فيه التوسع في التكفير مسألة الاستعانة بالكفار فقد خلط كثير من الناس بين الموالاة التامة التي تقتضي الردة والكفر. وبين الموالاة التي تكون معصية غير مكفرة وبين تبادل المنافع المباحة والمعاملات التي لا تدخل أصلاً في باب الموالاة و تركوا التفريق بين حال الضرورة وحال الاختيار فكفروا بسبب ذلك دولاً وحكوماتٍ وعلماءَ وجيوشاً واستحلوا بسببها الدماء وسعوا في الأرض فساداً.  ولما سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن مسألة الاستعانة بالقوات الأجنبية في صد عدوان حاكم العراق على الكويت وتهديده باجتياح السعودية أجاب بأن هذه الاستعانة ليست من باب مظاهرة المشركين على المسلمين ولكنها من باب التعاون على صد عدوان المعتدي  اقتضته الضرورة فقال رحمه الله : يجوز الاستعانة بغير المسلمين للضرورة إذا دعت إلى ذلك لرد العدو الغاشم والقضاء عليه وحماية البلاد من شره، إذا كانت القوة المسلمة لا تكفي لردعه جاز الاستعانة بمن يظن فيهم أنهم يعينون ويساعدون على كف شره وردع عدوانه، سواء كان المستعان به يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو غير ذلك إذا رأت الدولة الإسلامية أن عنده نجدة ومساعدة لصد عدوان العدو المشترك" اهـ.

فالنصيحة لكل مسلم هي الحذر من الخوض في التكفير عموما وتكفير المعينين خصوصاً ورد المسائل النازلة المتعلقة بالأعيان والأفراد أو المتعلقة بالدول إلى الجهات العلمية المختصة الذين أَوكل إليهم ولي الأمر النظر فيها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فمن المسائل التي يكثر فيها الخوض بين بعض طلبة العلم ما يعرف بمسألة العذر بالجهل ، وهي أنه يوجد  في بعض بلاد المسلمين من يعبد الأضرحة وأصحاب القبور والأولياء فهل يحكم بكفرهم مطلقاً أو لا يكفرون إلا بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم فمنهم من يرى الحكم عليهم بالردة لأنهم في بلاد المسلمين ويقرؤون القرآن ويسمعون الأحاديث فهم بين عالم بالحق وبين معرض عن تعلم الحق فليس بجاهل ، ومن  أهل العلم من يقول يُدعون أولا وتقام عليهم الحجة فمن أصر وعاند بعد ذلك فهو مشرك. لأنهم يبتلون بدعاة ضلالة يلبسون عليهم الدين ويحرفون معاني الأدلة. فَهُمْ وإن بلغهم القرآن لكن لم تبلغهم معانيه على الوجه الصحيح بسبب دعاة السوء وعلماء الضلالة .. فنجد اليوم بعض من أخذ بالقول الأول يرمي من قال بالقول الثاني بالإرجاء والضلال بل ربما رماه بالكفر والعياذ بالله . ونجد بعض من قال بالقول الثاني يرمي من أخذ بالقول الأول بأنه خارجي تكفيري ونحو ذلك ، وكلا الموقفين غلط بل هي مسألة تتنازعها الأفهام ووجهات النظر وتحتملها الأدلة ولا زال أهل العلم حقاً _ قديماً وحديثا_ أخوة متحابين متآلفين فيما بينهم مع اختلافهم في هذه المسألة وعشرات المسائل العلمية التي يدخلها الاجتهاد والنظر.

وقد وجهت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز وعضوية الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمهما الله نصيحة ثمينة في هذه القضية وهي الفتوى رقم (أحدَ عشرَ ألفا وأربعة وثلاثون) 11034: قالت فيها بعد كلام طويل نافع : "وبذا يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفّروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة؛ لأنّ توقفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم".

نسأل الله أن يفقهنا في دينه وأن يرزقنا الوقوف عند حدوده كما نسأله سبحانه أن يجمع كلمة طلبة العلم على الحق وأن يصلح ذات بينهم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *