العنوان : من حقوق العمال في الاسلام
أما بعد:
فإن الله تعالى فاوت بين الناس فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة لحكمة بالغة أبان عنها سبحانه في قوله ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } أي: ليسخر بعضهم بعضا، في الأعمال والحرف والصنائع. فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على العمل والكسب من عمل اليد فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود: كان يأكل من عمل يده» أخرجه البخاري . وإنما ضرب صلى الله عليه وسلم المثل بداود لأنه كان مع النبوة خليفة في الارض شديد الملك ومع ذلك فضّل أن ياكل من عمل يده فكان يصنع الدروع فيبيعها ويأكل من ثمنها ، وثبت في صحيح مسلم أن زكريا كان نجاراً ، وكان الأنبياء يرعون الأغنام .
فالكسب من عمل اليد عمل شريف ما دام العمل مباحاً والسابق إليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أشرف الخلق وسادات بني آدم.
ولما كان الناس لا غنى لهم عن العمال والأجراء كان لا بد على من استأجر أجيراً يعمل عنده سائقا أو خادما أو مهنياً أو غير ذلك أن يعلم الحق الذي لهذا العامل وأن يحرص على وفائه إياه كما يحرص صاحب العمل على أن يستوفي حقه من أجيره كاملاً.
فمن تلك الحقوق أن يستعمله فيما استأجره فيه واتفق معه عليه قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وكثير من الكفلاء يستقدمون العمال لمهنة معينة فإذا وصلوا استعملوهم في غيرها قسراً وقهراً واستغلالا ً لضعفهم وحاجتهم.
ومنها توفيتهم أجرتهم كاملة متى أدى الذي عليه فلا يجوز منعهم حقوقهم بل ولا يجوز تأخيرها عنهم وفي الحديث (اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) جاء من طرق يتقوى بها.
ومن الكفلاء من يستقدم العمال ثم يطلقهم يعملون ويشتغلون ويأخذ منهم مبلغاً مقدراً كل شهر أو كل عام وهذا لا يجيزه الشرع ولا يقره النظام بل هو سبب في شر عظيم وفساد مستطير..
ومنها إكرامهم في طعامهم ولباسهم ومسكنهم وعدم تكليفهم عملاً فوق طاقتهم قال ابو ذر ساببت رجلاً فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "أعيرته بأمه؟ ". قلت: نعم. ثم قال: " إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم". وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق". وفي حكم المملوك خدم البيوت.
بل يبلغ الأمر في الإسلام إلى الحث على دعوة الخادم ليأكل معك عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه، فإن لم يقبل فليناوله منه".
ومن الحقوق التي له عليك ان تحسن في تعليمه ما يجهله من أمر دينه فإن العمل مظنة الانشغال عن التفقه في الدين ولا سيما من جاء من بادية أو بلاد بعيدة عن العلم ونور الوحي فعلمه التوحيد والطهارة والصلاة وغير ذلك من الشرائع التي يحتاجها إن كنت تحسن لغته فكلمه أو عن طريق الكتب والأشرطة المعتمدة التي تتكلم بلغته.
وان كان العامل كافراً فرغبه في الاسلام بخلقك أولاً ثم بدعوته وشرح محاسن الإسلام له لعل الله أن يهديه على يديك فيكون لك مثل أجره ..
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول ..
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن من أعظم القضايا التي يلزم الحذر منها مع العمال هي ظلمهم والجور عليهم نظراً لضعفهم وغربتهم وحاجتهم .. فإن الظلم ظلمات يوم القيامة عن أبي مسعود قال: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: "اعلم أبا مسعود! لَلهُ أقدر عليك منك عليه "، فالتفت، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: يا رسول الله! فهو حر لوجه الله. فقال: " أما لو لم تفعل لمستك النار"، أو: " للفحتك النار". رواه مسلم.
وإذا كنت تظن هذا العامل ضعيفاً فما ظنك بمن يكون خصمك عنه هو الله تعالى ففي الحديث القدسي يقول الله ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره " رواه البخاري
ايه الإخوة :
هنئياً لمن اتقى الله وعدل مع من ولي أمره فإن النبي صلى الله عليه وسلم يبشرهم فيقول «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يمينٌ الذينَ يعدِلُونَ فِي حُكمِهم وأهليهم وَمَا ولُوا» . رَوَاهُ مُسلم.
إخوة الإسلام : إنه متى قصر العامل أو الأجير فلصاحب العمل أن يطلب حقه ولكن بلا حيف ولا ظلم ومجاوزة حد ومتى اختلفوا ولم يصطلحوا فعليهم التحاكم إلى شرع الله فإنه العدل الذي لا ظلم فيه.
وعلى العامل أن يتقي الله وأن يؤدي الذي عليه وأن يراقب الله قبل أن يراقب صاحب العمل فإنك أيه العامل إن كنت تقدر على خداعه وغشه فإنك لا تقدر على ان تخادع الله ولا ان تغشه. فإنه سبحانه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) ..