العنوان : من أسباب مآسي المسلمين، وبشائر النصر
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فإن المسلم وهو يسمع ويرى ويتابع ما يجري لكثير من المسلمين عامة ومن أهل السنة خاصة من الظلم والقتل والتشريد وأنواع الأذى والقهر ليشعر بالحزن الشديد فـ"مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". وهذه الأحداث الجسام ينبغي أن نتأملها حتى نعرف أسبابها العامة الظاهرة ليجتنبها المسلمون عامة حتى لا تعود عليهم المصائب في التي أصابتهم أو أصابت غيرهم من إخوانهم.
ومن أبرز تلك الأسباب:
أولاً: أن الله تعالى قد أخبرنا في كتابه الكريم أن المصائب في الأرض وفي الأنفس إنما تقع بسبب الذنوب والمعاصي وتضييع أوامره كما قال تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } وقال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقال تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال صلى الله عليه وسلم «إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»
ومما لا شك فيه أن التقصير كبير والمخالفة لتعاليم الدين شيء كثير ولو لم نسلط الضوء إلا على المخالفات العقدية التي تصادم أصل الدين وأساسه وهو التوحيد لوجدنا شيئاً كثيراً كدعاء الأموات والاستغاثة بهم وصرف أنواع العبادات لهم جهاراً نهاراً في غالب بلاد المسلمين والله المستعان.
ثانياً: التفرق والاختلاف في الدين فإن المسلمين إذا تفرقت كلمتهم تسلط عليهم عدوهم كما قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وها هي البدع والفرق والأحزاب تقطع أوصال الجسد المسلم إلى قطع كثيرة بعدما تركهم النبي صلى الله عليه وسلم جسداً واحداً وقلباً واحداً وصراطاً مستقيماً واحداً. وقد حذر الله عباده من التفرق في الدين فقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته خبرَ المحذر الزاجر الناهي أن هذه الأمة ستفترق في دينها فقال صلى الله عليه وسلم (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) وقال صلى الله عليه وسلم (وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة) وعلاج هذه الفُرقة ودواؤها هو التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف الأمة الصالح كما قال صلى الله عليه وسلم بعدما ذكر وقوع الاختلاف الكثير (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) وكما قال صلى الله عليه وسلم بعدما ذكر افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة (كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة) وفي رواية أخرى (ما أنا عليه وأصحابي).
ثالثاً: تضييع أمر النبي صلى الله عليه وسلم ووصيته في السمع والطاعة لولاة الأمور ولزوم الجماعة والصبر على ما يلقون من الظلم أو الأثرة وتضييع القاعدة الشرعية أن المنكر لا يزال بمنكر أكبر منه وذلك أن كثيراً من الفتن الداخلية في البلاد الإسلامية تنشأ من خروج بعض الرعية على ولاة الأمور بالقوة والسلاح باسم الجهاد في سبيل الله والغيرة على محارم الله وبدعوى إقامة الخلافة الإسلامية ونحو ذلك من الشعارات التي تستجلب بها العواطف ثم تكون العاقبة وبالاً على المسلمين بسفك دمائهم وضعف اقتصادهم ودخول العدو الخارجي بينهم يسيّر هذه الفتن لمصالحه الخاصة.
رابعاً: الركون إلى عدو الأمة التاريخي الذي طالما كاد لها من داخلها وسلّط عليها اليهود والنصارى والوثنيين وذاق المسلمون منهم الويلات عبر تاريخهم الطويل وأعني بهم الرافضة وما تفرع منهم من الفرق الباطنية كالنصيرية وغيرهم فإن بعض الجماعات الإسلامية إما جهلاً منها وإما دسيسة منها وضعت يدها في يدهم وغرّوا بهم المسلمين فما إن ظهرت ثورة الخميني حتى سارعوا إلى المباركة بها وتزكيتها واعتبارها ممثلة للحكم الإسلامي الصحيح. فاتخذتهم الرافضة مطية لهم يصلون على ظهورهم إلى عمق البلاد الإسلامية السنية ينشرون دينهم وعقائدهم ويبثون دساسئهم ومكائدهم ويمهدون لساعة الانقضاض المسلح عليهم بأيديهم أو بأيدي غيرهم.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يبصرهم بدينهم وأن يرزقهم التمسك به والاستقامة عليه وأن يرفع عنهم الضراء والبأساء إنه رؤوف رحيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي المتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سبيلهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن على المسلم وهو يرى ما يقع على إخوانه من صنوف البلاء أن لا يقع فيه قلبه اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى بل يجب أن يكون على يقين بأن الله تعالى معزٌ دينَه ومتم ٌكلمته وناصرٌ أولياءَه كما قال تعالى {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على حسن الظن بالله وفتح باب الرجاء في كرمه سبحانه في أحلك الظروف وأصعبها يقول أحد المستضعفين الأولين من المؤمنين في مكة وهو خباب رضي الله عنه : "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وَهُوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ، فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ» رواه البخاري.
وبينما عدي بن حاتم جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم والرجل يأتيه يشتكي الفقر والرجل يأتيه يشتكي الخوف وقطع السبيل يلتفت إليه صلى الله عليه وسلم ويقول : «يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟» قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، - قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا البِلاَدَ -، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى»، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: " كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ» رواه البخاري.
ولما كان المسلمون في غزوة الأحزاب في كرب عظيم قد أحاط بهم العدو من كل جانب بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الشام وفارس واليمن كما رواه أحمد والنسائي بسند ضعيف ولكنْ حسنه ابن حجر. والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مواقف الشدة والضيق يفتح للناس باب الرجاء في فضل الله ورحمته وسرعة تيسيره ونصره.
فلا يأس ولا قنوط ولا إحباط ولا ضعف فـ"إن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا"
ولكنّ المهم هو إصلاح أحوالنا مع الله تعالى بالتوبة من الذنوب والاستقامة على طاعته والأخذ بأسباب القوة والنصر فمتى تم ذلك جاء نصر الله كما قال تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده وولي ولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقه البطانة الصالحة الناصحة. اللهم بارك لهذه البلاد في ولاتها وعلمائها وأهلها وأمنها ورزقها برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.