العنوان : من أسباب تلاحم أبناء الوطن المسلم ووحدتهم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى أمر المؤمنين بالاجتماع ونهاهم عن الفرقة فقال جلّ وعلا (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال تعالى (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) وقال تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) أي قوتكم ونصركم.
ومن آكد صور الاجتماع اجتماع الرعية على ولاة أمورها بالسمع والطاعة لهم في المعروف، وسلامة القلوب لهم، والتعاون معهم على البر والتقوى، واجتناب أسباب الفرقة والاختلاف فقد أمر الله تعالى بطاعتهم فقال جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). وجعل النبي صلى الله عليه وسلم طاعتهم من طاعة الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ أطاعني فقد أطاعَ الله، ومَنْ عصاني فقد عَصى اللهَ، ومَنْ يُطعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني، ومَنْ يَعصِ الأمِيرَ فَقد عَصَانِي» متفق عليه. وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم على منازعتهم ومنابذتهم بالوعيد الشديد فقال صلى الله عليه وسلم «مَن خَلَعَ يَداً من طَاعةٍ، لقيَ اللهَ يوم القيامة، ولا حُجَّة له، ومن مات وليس في عُنقه بَيْعةٌ: مات مِيتَة جاهليَّة» رواه مسلم.
وتوعد صلى الله عليه وسلم من أخل ببيعته إذا لم ينل من الدنيا ما كان يرجوه ويتمناه من ولي الأمر فقال صلى الله عليه وسلم «ثَلاثَةٌ لا يُكلِّمُهُمُ اللهُ يومَ القِيَامَةِ، ولا يُزَكِّيهم، ولهم عَذَابٌ أليم: رجلٌ بايعَ إمَاماً، فَإِن أعطَاهُ وَفَى لَهُ، وإن لم يُعْطِهِ، لم يَفِ لَهُ» الحديثَ متفق عليه.
ولما سأله الصحابة كيف يفعلون إذا ولي عليهم حكام يمنعونهم حقوقهم فقال سائلهم: أَرأَيتَ إنْ كان عَلَيْنا أُمَرَاءُ يَمنعونا حَقَّنا ويسألونا حَقَّهُمْ؟ فأجابه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم بقوله: «اسْمعوا وأطِيعُوا، فإنَّما عليهم مَا حُمِّلُوا، وعليكم ما حُمِّلْتُم» رواه مسلم.
وكل هذا من حرص ديننا الحنيف على اجتماع الكلمة وائتلاف القلوب ومنع أسباب الفتن التي يُفقد فيها الأمن وتراق فيها الدماء وتنهب الأموال وتنتهك الأعراض وتقطع السبل. ويحصل جراءها من الفتن والشرور أضعافَ أضعافَ ما كان بعض الرعية يعانيه من مظلمة أو أثرة.
عباد الله:
إن كان ينبغي تذكير كل شعب مسلم تحت ولاية شرعية في كل بلاد المسلمين بهذه الأدلة الكريمة الشريفة فنحن أولى الناس في هذا العصر بالعناية باستذكارها والعمل بمقتضاها لما اجتمع في هذا الوطن المبارك من النعم التي لم تجتمع لغيره في هذا العصر وعلى رأسها القيام بأمر التوحيد والعناية به عناية لا يدانيها فيها غيرها حتى قال الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله كلمته المشهورة (العداء لهذه الدولة عداء للحق ، عداء للتوحيد ، أي دولة تقوم بالتوحيد الآن من حولنا ...مَن يدعو إلى التوحيد الآن ويحكّم شريعة الله ويهدم القبور التي تُعبد من دون الله مَنْ؟ أين هم ؟ أين الدولة التي تقوم بهذه الشريعة ؟ غير هذه الدولة اسأل الله لنا ولها الهداية والتوفيق والصلاح) اهـ
فحافظوا على هذا الكيان العظيم بتقوى الله تعالى والسمع والطاعة لولاة أمره وبالحذر من دعاة الفتن، والوقوف بكل حزم ضد جهودهم في الوقيعة بين الرعية وولاة الأمر. فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن موقف المسلم حين يبتلى المسلمون بدعاة على أبواب جهنم فقال صلى الله عليه وسلم (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) متفق عليه. فلزوم طاعة ولي أمرنا وجماعة المسلمين في وطننا هو المخرج لأبناء هذا الوطن من فتنة دعاة جهنم وقانا الله شرهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الوطن المسلم لا تثبت أركانه ولا يشتد بنيانه إلا إذا كان أبناؤه متحابين في الله تعالى متعاونين على البر والتقوى، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويعامله بمثل ما يحب أن يُعامَل به. حتى يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
على أبناء الوطن المسلم أن يجتنبوا الظلم والغش والعدوان، وأن يجتنبوا السخرية والتنابز بالألقاب، واحتقار بعضهم لبعض فإنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. "الناس بنو آدم وآدم من تراب".
كما أن عليهم حفظ السنتهم وأقلامهم عن اتهام الناس بغير وجه حق فإن من أخطر الآفات المهددة للوحدة والاجتماع انفلاتَ زمام التبديع والتفسيق والتضليل بغير هدى ولا حجة ولا كتاب منير، قال صلى الله عليه وسلم (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه) متفق عليه واللفظ لمسلم.
وعلى أبناء الوطن المسلم الحذر الشديد من الانتماء إلى الفرق الضالة والجماعات والأحزاب فالمجتمع يجب أن يكون منضوياً كله تحت راية ولي أمره فقط لأن هذا هو مقتضى البيعة الشرعية له.
على أبناء الوطن المسلم أن يعرفوا أن وطنهم وطن غال ٍ يجب الحفاظ عليه فلو تسلط عليه العدو الكافر أو الفاجر لأفسد العقيدة ومنع العبادة وعطّل الحدود وسلب الحقوق وانتهك الأعراض. وتفنن في التنكيل بهم بما لا يخطر لهم على بال والعياذ بالله. ولكم فيما يجري حولكم عظة وعبرة.
نسأل الله أن يديم علينا أمننا واجتماع كلمتنا وأن يحفظ بلادنا وولاة أمورنا من كل سوء.
اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين. اللهم أنجِ المستضعفين في حلب وأنقذهم مما هم فيه من البلاء العظيم اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم اللهم أطعهم من جوع وآمنهم من خوف وارفع عنهم ما هم فيه من البلاء يا أرحم الراحمين.
اللهم عليكم بطاغية الشام وجنوده وأعوانه وأنصاره اللهم شتت شملهم وخالف كلمتهم واجعل بأسهم بينهم اللهم عجل بهلاكهم وإراحة البلاد والعباد من إجرامهم إنك أنت القوي العزيز.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروا له على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
جزالله الشيخ خير الجزاء