العنوان : من آداب السفر وأحكامه (صوتي)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الأسفار من أبرز حاجات الناس وضروراتهم لا سيما في هذا الزمان الذي تيسرت فيه أسبابه، وذلك أن الله تعالى قسّم المصالح والمنافع فلم يجمعها في مكان واحد لحكم بالغة.
ولما كان السفر تتعلق به أحكام كثيرة وآداب جليلة ينبغي لمن أراده أن يراعيها حتى يكون سفره سفراً سعيداً باشتماله على المشروع وخلوه من المحذور كان من المناسب التذكير بشيء من تلك الأحكام والآدب.
فمن أحكام السفر أن لا يكون سفراً محرماً والسفر المحرم أنواع:
الأول: السفر بقصد فعل المحرمات والعياذ بالله كالسفر لشرب الخمور أو الزنا أو الاختلاط بالنساء والنظر إلى ما حرم الله عليه منهن.
وكذلك السفر إلى البلاد المشتعلة بالفتن والحروب للمشاركة فيها مع مخالفة ولي الأمر ومخالفة فتوى العلماء، وقد ابتلي كثير من الشباب ممن سافر وشارك فيها بأنواع من الفتن كاعتناق عقيدة التكفير ونزع بيعة ولي الأمر واستحلال الدماء المعصومة عافانا الله وإياكم.
ومن السفر المحرّم سفر المرأة بغير محرم لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» متفق عليه.
الثاني: السفر لفعل بدعة كمن يسافر لزيارة القبور والأضرحة لعبادة الله عندها فإن البقاع التي يُسافر لعبادة الله فيها إنما هي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى للحديث الصحيح (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) متفق عليه.
ومن الأسفار المبتدعة سفر بعض الجماعات الصوفية الذي يسمونه بالخروج في سبيل الله وهو عمل محدث ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة.
الثالث: السفر للشرك والخرافة كمن يسافر لعبادة الأضرحة والقبور والمشاهد بدعائها والاستغاثة بها وطلب الحاجات منها والذبح والنذر لها والعياذ بالله.
ومن أحكام السفر: أنه يستحب للمسلم أن يترخص فيه بالرخص الشرعية فإن الله يحب أن تؤتى رخصه لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته) ومن رخص السفر الجمع بين الظهر والعصر والجمع بين المغرب والعشاء وقصر الرباعية إلى ركعتين والإفطار في نهار رمضان لا سيما إن كان يشق عليه الصوم. والمسح على الخفين ثلاثةَ أيام بلياليهن، ولهذه المسائل تفاصيل كثيرة يرجع فيها المسلم لأهل العلم حتى يكون على بصيرة من أمره.
ومَنْ قطعه السفر عن عمل صالح كان يداوم عليه في إقامته كتب له أجره كاملاً لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثلُ ما كان يعمل مقيما صحيحا» رواه البخاري.
ومن آداب السفر: أنه ينبغي له إذا كان له شيء يوصي فيه يخاف أن يضيع إن لم يوص به أن يكتب وصيته حتى لا تضيع حقوق الناس أو حقوقه التي ينتفع بها ورثته من بعده فإن المسافر لا يدري لعله لا يرجع من سفره.
ومن آداب السفر: أن يتخذ له رفقة صالحةً طيبة ذاتَ دينٍ متين وخلقٍ قويم ومروءةٍ تامة حتى يتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى ويواسي بعضهم بعضا بالمال والنفقة والخدمة. وينبغي أن يكون معه اثنان فأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) رواه الترمذي وصححه.
وينبغي أن يُؤمِّروا أحدَهم عليهم إذا كانوا ثلاثة فأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم» رواه أبو داود، وذلك لترتيب أمور سفرهم في مسيرهم ونزولهم حتى لا تختلف قلوبهم وهذا من حرص الشريعة على الألفة والاجتماع وصلاح ذات البين.
ومن آداب السفر: أن يعجّل المسافرُ الرجوعَ إلى أهله إذا فرغ من شغله لقوله صلى الله عليه وسلم «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ» متفق عليه.
ومن آداب السفر: أن يسافر يومَ الخميسِ لحديث كعب بن مالك «لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ، إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الخَمِيسِ» أخرجه البخاري، والسفرُ يومَ الخميس مستحب وليس بواجب فإن لم يتيسر له سافر في غيره من الأيام ولا حرج. وإذا استوى على وسيلةِ سفره دعا بالدعاء المأثور.
ومن آداب السفر: الالتزام بأنظمة السير ولا سيما الالتزام بالسرعة والعناية بتفقد المركبة قبل السفر، واجتنابُ السير في حال النعاس والتعب، والحذرُ من تعاطي المنشطات، واجتناب الانشغال بأجهزة الجوال حال القيادة لقول الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) ولقوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)
أيها الإخوة: إن مخالفة أنظمة السلامة المرورية قد تؤدي إلى إزهاق الإنسان نفسه أو إصابته بإعاقات مستديمة أو إهلاك أنفس بريئة أو إتلاف أموال معصومة. فتنقلبَ الأسفار إلى حوادثَ مفزعةْ، ومآسٍ موجعةْ. حمانا الله وإياكم من كل سوء.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وقائد الغر المحجلين نبينا محمد ِوعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم في هذه الحياة الدنيا في سفر إلى الدار الآخرة وأنكم كما تحتاجون إلى الزاد في سفر الدنيا فإنكم تحتاجون إلى زاد عظيم في سفركم إلى الدار الآخرة ألا وهو تقوى الله تعالى كما قال جل وعلا (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) فاتقوا الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه. وتذكروا أن أعظمَ ما أمركم به هو التوحيد وأعظمَ ما نهاكم عنه هو الشرك فاعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً.
واعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واحذروا من التفرق في الدين والمفارقة لجماعة المسلمين فإنه من فارق الجماعة فمات مات مِيتةً جاهلية كما أخبرنا نبينا الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة ، اللهم أطل عمره وأصلح عمله وانصر به الإسلام والمسلمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم انصر جنودنا واحفظ حدودنا وأهلك كل من أراد بسوء بلادنا. يا قوي يا عزيز.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.