جديد الإعلانات :

العنوان : كفالة الأيتام في الإسلام

عدد الزيارات : 3229 عدد مرات التحميل : 42 - تحميل

أما بعد:

فإن رعاية الأيتام والإحسان إليهم من أفضل الأعمال الصالحة لما جاء في الحث عليه والترغيب فيه. قال تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} وقال صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» ، وأشار بالسبابة والوسطى، وفَرَّج بينهما شيئًا. أخرجه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: «كافِلُ اليتيم، له أو لغيره، أنا وهو كهاتَيْن في الجنة» وقال صلى الله عليه وسلم "الساعي على الأرْمَلةِ والمسْكينِ؛ كالمجاهِدِ في سبيلِ الله أو القائم الليل الصائم النهار". متفق عليه. ففي هذه النصوص الكريمة الأمر بالإحسان إلى اليتيم والحث على كفالته سواء كان ذلك اليتيم من قرابتك أو كان أجنبياً عنك. وأنّ من قام على اليتيم بحسن الرعاية كان عند الله بمنزلة المجاهد في سبيل الله وبمنزلة المتعبد الذي لا ينقطع عن العبادة ليلاً ولا نهاراً قد استغرق ليله بالقيام ونهاره بالصيام فما ظنكم بأجره وثوابه. وفيها بشارة عظيمة لمن كفل يتيماً أن يكون مرافقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة حتى قال بعض أهل العلم : "حق على كل مؤمن يسمع هذا الحديث أن يرغب في العمل به ليكون في الجنة رفيقًا للنبي عليه السلام ولجماعة النبيين والمرسلين - صلوات الله عليهم أجمعين - ولا منزلة عند الله في الآخرة أفضل من مرافقة الأنبياء". وفي رحمة اليتيم عون على لين القلب وقضاء الحاجات فقد أتى النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ يشكو قَسوةَ قلبِهِ. فقال له: "أتُحِبُّ أنْ يلينَ قلبُك، وتُدرِكَ حاجتَك؟ ارْحَمِ اليتيمَ، وامسَحْ رأْسه، وأطْعِمْهُ مِنْ طَعامِك؛ يَلِنْ قلبُكْ، وتُدرِكْ حاجتَك". رواه الطبراني. ولا غرابة في ذلك فإنه من سعى في حاجة أخيه سعى الله في حاجته والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ولما كان اليتيمُ ضعيفَ الجانب مكسورَ الجناح كان من المهم رحمته والشفقة عليه وتجنب الغلظة معه بغير وجه حق قال تعالى (فأما اليتيم فلا تقهر) قال ابن كثير : " أَيْ: كَمَا كُنْتَ يَتِيمًا فَآوَاكَ اللَّهُ فَلَا تَقْهَرِ الْيَتِيمَ، أَيْ: لَا تُذِلَّهُ وَتَنْهَرْهُ وَتُهِنْهُ، وَلَكِنْ أحسِنْ إِلَيْهِ، وَتَلَطَّفْ بِهِ. قَالَ قَتَادَةُ: كُنْ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ". إن ظلم اليتيم وقهره واستغلال ضعفه ليست من صفات أهل الإيمان ولكنها من صفات من لا يؤمن بالله واليوم الآخر كما قال تعالى (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعّ اليتيم) قال ابن سعدي: "أي يدفعه بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه، ولأنه لا يرجو ثوابًا، ولا يخشى عقابًا". عباد الله: إن رعاية اليتيم وكفالته تكون بحضانته وتربيته وتأديبه وتعلميه والمحافظة على سلامته في بدنه ونفسه والإنفاق عليه والمحافظة على ماله حتى يبلغ ويرشد ويمكنه الاستقلال بنفسه. أما الكفالة التي تقتصر على الإنفاق عليه فقط فهي كفالة قاصرة ناقصة وفيها خير ولكن ليس شأنها كالكفالة التامة الكاملة، وكثير ممن يكفل يتيماً بماله لا يكاد يعرف اليتيم الذي يكفله ولا يمكنه التحقق من مصداقية هذه الكفالة ونحن في زمن كثر فيه استغلال أعمال الخير لأعمال الشر فالحذر الحذر من التوسع في تحسين الظن بالأفراد أو الجماعات أو الجمعيات التي تقتات على مآسي الأيتام والمشردين واللاجئين وضحايا الحروب والكوارث فتجمع الأموال في الظاهر لأعمال الخير وتنفقها في الباطن لمصالح أنفسها أو لدعم الإرهاب وأهله. واتقوا الله في الأيتام سواء كانوا لكم أم لغيركم ارحموهم وأحسنوا إليهم وتعاهدوهم بالتربية والعناية وحسن الرعاية وعاملوهم كما تحبون أن يعامل أولادكم لو قدر لهم أن يكونوا أيتاماً كما قال تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ) أي كَمَا تُحِبُّ أَنْ تُعَامَلَ ذَرِّيَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَعَامِلِ النَّاسَ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ إِذَا وَلِيتَهُمْ. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أعظم المزالق التي يقع فيها بعض من يبتلى بكفالة الأيتام وهو ليس بأهل لها أن يظلم اليتيم في ماله وهذا من كبائر الذنوب قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} وقال صلى الله عليه وسلم : "اجْتَنبوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، والسِّحْر، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ.." الحديث متفق عليه. فمن لم يكن له قدرة على القيام به فلا يهلك نفسه قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» رواه مسلم. إن مال اليتيم له يُنفق عليه منه بقدر حاجته وتخرج منه الزكاة إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، والباقي يدخر له حتى يبلغ ويرشد فيسلم إليه ولا يجوز التبرع منه ولا إقراض أحد منه، وإن استثمر ونمي له فهو أمر حسن قال تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} عباد الله: إن اليُتْم ليس محصوراً فيمن مات أبوه قبل البلوغ ولكن معنى اليتم يشمل اللقيط ومجهول الأبوين بل هؤلاء أولى من غيرهم بالكفالة والرعاية لأن اليتيم معروف الأب قد يجد من قرابته من يقوم بشأنه أما اللقيط ومجهول الأبوين فلا قرابة له وما بقي له إلا أن ترعاه الدولة أو يرعاه مسلم يرجو ما عند الله. جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه إنه سميع الدعاء.

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *