العنوان : صراط الدنيا والآخرة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى أمر عباده باتباع صراطه المستقيم فقال سبحانه {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وصراطه المستقيم هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو ما سار عليه مَن بعدهم من التابعين لهم بإحسان.
وهذا الصراط يقوم على قاعدتين:
الأولى إفراد الله تعالى بالعبادة والبراءة من عبادة ما سواه. كما قال تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً)
والقاعدة الثانية: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته كما قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فمن صرف شيئاً من العبادات لغير الله فقد حاد وضل عن الصراط المستقيم كحال أولئك الذين يدعون أصحاب القبور ويطلبون منهم النصر والغوث والشفاء والمال والولد.
ومن ابتدع في الدين عقيدة أو عبادة لم يأت بها محمد صلى الله عليه وسلم فإنه قد حاد وضل عن الصراط المستقيم. كالخوارج والروافض وأصحاب الطرق الصوفية.
ولعظم شأن السير على هذا الصراط فقد أمرنا الله تعالى أن ندعوه أن يهدينا إياه في كل ركعة من ركعات صلاتنا فنقول في قراءتنا لسورة الفاتحة (اهدنا الصراط المستقيم) فليس أحد منا له غنى عن هداية الله له، فإنه لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا.
فالضال يسأل الله الهداية ليهتدي إلى الصراط، والمهتدي يسأل الله الهداية ليثبت عليه حتى يلقاه، وليزداد كل يوم هدى إلى هداه.
ومن أراد الهداية فعليه بالعلم النافع والعمل الصالح فإنه لا هداية بدونهما فذلك هو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
أما من يتعلم ولا يعمل ففيه شبه باليهود المستحقين لغضب الله ومقته لأنهم كانوا يعلمون ولا يطبقون ما تعلموه.
ومن يعمل بدون علم فيتقربُ إلى الله تعالى بالأقوال والأعمال التي لم يشرعها الله تعالى جاهلاً ففيه شبه بالنصارى الضالين الحائرين حين عملوا بدون علم ولا بصيرة.
ولهذا امرنا الله تعالى أن نستعيذ به من طريقتهما فقال (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال صلى الله عليه وسلم (إن المغضوب عليهم اليهود وإن الضالين النصارى) رواه أحمد.
أسأل الله تعالى أن يهديني وإياكم صراطه المستقيم وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين إنه سميع مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى كما شرع لعباده في هذه الدنيا صراطاً مستقيماً لا عوج فيه فإنه سبحانه يمد جسراً وصراطاً على ظهر جهنم يوم القيامة يمر الناس عليه، وهو جسر خطير. مهول مخيف. قد اجتمعت فيه أسباب الهلاك والسقوط في جهنم إلا من حفظه الله وعصمه وذلك أن الصراط ضيق جداً ودقيق جداً حتى قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: "بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ" ومع دقته فهو مظلم جداً وأنت الْيَوْمَ تتخبط في الطريق المظلم الواسع فكيف بالطريق المظلم الحاد الزلق.
وعلى الصراط خطاطيف وكلاليب تخطف من أمرت بخطفه فتلقيه في جهنم. وعلى جانبي الصراط تقوم الأمانة والرحم تأخذ القاطع والخائن. ولشدة الهول تنعقد الألسن فلا تنطق و لا يتكلم يومئذ إلا الرسل يقولون (اللهم سلم سلم).
ومع تلك الأهوال والمخاطر العظيمة فليبشر من آثر الآخرة على الدنيا والباقية على الفانية فثبت على الصراط المستقيم في هذه الدنيا فإن الله تعالى يعطيه في ذلك اليوم نوراً يبصر به طريقه ويهبه قوة يمر بها على الصراط على قدر عمله وإيمانه وينجيه من أهواله نجاة تامة بدون أَذى، أو ينجيه نجاة بعد جروح وخدوش.
فأوصي نفسي ومن يسمع بتقوى الله تعالى ولزوم صراطه المستقيم ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء ومجاهدة شياطين الإنس والجن ممن يريد أن يغوينا ويضلنا بترك ما أمرنا الله به أو فعل ما نهانا الله عنه. فإن الموتَ أت ولا بد والبعثَ آت ولا بد وكلُّ ما هو آت قريب.
اللهم ثبتنا على صراطك المستقيم واجعلنا من ورثة جناتك جنات النعيم وقنا برحمتك من عذاب الجحيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده وولي ولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر جنودنا نصراً عزيزاً وأهلك عدوهم وخذهم أخذاً وبيلاً إنك أنت القوي العزيز.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. برحمتك يا عزيز يا غفار.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.