إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم في أيام مباركة هي يوم عيد الأضحى و أيام التشريق التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : "وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى" الحديث. رواه أحمد وابو داود.
وقد شرع الله فيها ذبح الأضاحي، والأكل منها والتصدق منها، فمن لم يضح هذا اليوم فله أن يضحي إلى آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر قبل غروب الشمس. وكل اليوم وقت ذبح فله أن يذبح في الليل وله أن يذبح في النهار، والذبح في النهار أفضل.
والمشروع في الأضاحي أن يأكل منها ويتصدق منها لقوله تعالى (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) أي كلوا من ضحاياكم وأطعموا منها السائلين وأطعموا منها الفقراء المتعففين عن المسألة. فيشرع لك يا عبد الله الأكلُ منها والتصدق منها والإهداء منها فاحرص على أن تجمع بين هذه الأمور الثلاثة حتى ولو أن تهدي أو تتصدق لجار كافر أو عامل كافر فذلك جائز والحمد لله ما لم يكن الكافر محارباً للمسلمين.
ومن أكل الأضحية كلها ولم يتصدق منها أو أهداها كلها لشخص غير فقير فالأبرأ لذمته أن يشتري لحماً ويتصدق به على أحد الفقراء لأن الله تعالى أمر بإطعام الفقراء من لحوم الهدي والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة من لحوم الأضاحي والأصل في الأمر الوجوب.
عباد الله:
إن من المهم التنبيه عليه في هذه الأيام التحذير من ظاهرة الإسراف والتبذير في المطاعم والمشارب فإن من المناظر المؤسفة رؤية أكوام الأطعمة ملقاة في المزابل وعلى جوانب الطرق والله تعالى يقول {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] وقال تعالى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81]
فقدموا من الطعام ما يتناسب مع عدد أهل البيت أو الضيوف وإن زاد شيء فتصدقوا به أو اْهدُوْه أو اتصلوا بالجهات الخيرية التي توزع فائض الأطعمة على الفقراء والمحتاجين.
فذلك من شكر النعم كما أن رميها من كفران النعم وقد قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان واقتفى أثرهم. وسلم تسليما
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أحكام أيام التشريق أنه يشرع فيها الإكثار من التكبير ولا سيما في أدبار الصلوات المفروضة. لقول إبراهيم النخعي : "كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدهم مستقبل القبلة في دبر الصلاة : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد". ويستمر التكبير أدبار الصلوات إلى عصر آخر أيام التشريق لقول الله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات) وهي أيام التشريق ولفعل الصحابة فقد سئل أحمد رحمه الله فقيل له : "بأي حديث تذهب، إلى أن التكبير من صلاة الفجر يومِ عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم".
فاشتغلوا بذكر الله وبسائر الطاعات وتعاهدوا أرحامكم وسُلُّوا سخائم صدوركم وكونوا عباد الله إخواناً. واعتنوا بالحشمة والحياء والحجاب في نسائكم عند خروجهن في زيارة أو نزهة فأنتم مسؤولون عنهن يوم القيامة.
عباد الله: إن هذه الجمعة جاءت في يوم عيد وقد ثبت في الأدلة الصحيحة أن من صلى العيد فهو بالخيار إن شاء صلى الجمعة كما فعلتم وإن شاء صلى الظهر وتكفيه عن الجمعة. ومن لم يصل العيد فيجب عليه ان يصلي الجمعة فإن لم يجتمع في الجامع العدد الذي تصح به الجمعة صلاها ظهراً.
ثم اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى خلفائه الراشدين ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم أحسن البطانة وأصلحها وأبرها.
اللهم أصلح أحوال المسلمين واحفظ الحجاج والمعتمرين ويسر لهم أداء مناسكهم آمنين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر للمسلمين وللمسلمات والمؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.