بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
فإن نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى ومن نعمه أن سخر لهم من الوسائل ما يحملهم من بلد إلى بلد وما يحمل لهم أثقالهم فسخر لهم أولاً الخيل والبغال والحمير والإبل وما شابهها كما قال تعالى (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة ويَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وفي قوله تعالى (ويخلق مالا تعلمون) تنبيه على ما خلقه الله وسخره ويسره من وسائل النقل البرية والبحرية والجوية مما لم يكن معلوما للناس عند نزول الوحي وقد يستجد في المستقبل مالا نعلمه اليوم ولا يخطر لنا على بال. وقد يكون في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمعه يقول : (سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد ...) الحديث [رواه أحمد ، وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح] أي مراكبهم التي يقفون بها جوار المساجد تشبه مراكب وثيرة لينة وطيئة . اقول قد يكون في هذا الحديث الشريف إشارة إلى السيارات التي لم تعرف الا في هذه الأزمنة الأخيرة.
إن هذه الوسائل من نعم الله علينا فقد أراحت الأبدان وحملت الأثقال واختصرت الأزمان وقاربت البلدان وصار فيها للناس جمال وزينة ومتعة. والنعم تحتاج الى شكر ومن شكر الله عليها استعمالها في غير معصية الله واستعمالها على وجه ينفع ولا يضر.
أيها الإخوة:
إن عدم مراعاة الأنظمة التي وضعت لسلامة السيارات وقائديها وراكبيها خلف من المصائب والكوارث مالا يعلمه إلا الله فكم من أرواح زهقت وأجساد شلت وأسر فقدت أبناءها وفلذات أكبادها وكم من أسر فقدت عائلها ووالدها وكم من أسر فنيت في لحظة فلم يبق منها أحد.
وإذا عدنا الى أسباب تلك المآسي سنجدها في الغالب تعود إلى مخالفة بعض أنظمة المرور وبنود سلامة القيادة وغالب تلك المخالفات تكمن في السرعة الزائدة عن المسموح به.
ماذا استفاد من أسرع سرعة ينتج عنها موته أو شلله أو إعاقته أو قتل غيره أو إصابته إصابة بالغة أو التسببُ في حادث ينتج عنه من الخسائر المادية والمعنوية الشي الكثير.
أيها الإخوة
إن أنظمة المرور ما وضعت الا للسلامة والأمن والتزامها واجب ديني لانها من طاعة ولي الامر في غير معصية الله, ومعنى ذلك أن التزامها بنية طاعة ولي الأمر طاعة لله ولرسوله وعمل تؤجر وتثاب عليه كما أن مخالفتها ومجاوزتها معصية لولي الأمر وفي الحديث الصحيح من يعص الأمير فقد عصاني.
كما أن التزامها مصلحة تعود عليك وعلى غيرك بالسلامة في نفسك وبدنك ومالك وعلى الناس في أنفسهم وأبدانهم وأموالهم.
فلنعود أنفسنا ولنربها على مراعاة الانظمة والتزامها طلباً للأجر من الله وطلباً للمصلحة قبل أن نراقب كمرات المراقبة أو رجال المرور..
إخوة الإسلام:
إن من أكثر المخالفات الشائعة الخطرة السماح لصغار السن بالقيادة فقيادتهم تقوم على التهور والسرعة وعدم المبالاة بشيء فقد يهلك نفسه أو غيره.
ومنها أيضاً قطع الإشارات الحمراء فكم من أنفس ذهبت ظلما وعدواناً على أيدي سفهاء مغامرين لا يخافون الله ولا اليوم الأخر يقطع الإشارة بسرعة وتهور فيصطدم بمن له الحق في الطريق على حين غرة فيهلك أو يهلك بعض من معه من نساء أو أطفال أو غيرهم.
فكر كم كانت الإشارة ستحبسك لو انتظرت. إنها دقائق معدودة. مللُ انتظارها لا يساوي قتل نفس بريئة بغير حق.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يكفينا وإياكم شر حوادث السير وشر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير .
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فمن المظاهر المؤرقة فيما يتعلق بمخالفة أنظمة السير ظاهرة التفحيط، ولو فكر الممارسون لها ما ينهال عليهم من دعوات صادقة من سكان البيوت وعابري السبيل لكان في ذلك خير رادع لهم ولعل ما نشاهده من صور الموت الشنيع الذي يقع لكثير من المفحطين وجماهيرهم ربما كان نتيجة دعوات وافقت ساعة إجابة. فالبيوت فيها المرضى والعجزة والمحتاجون الى النوم والراحة والهدوء وهولاء كانما يضربون الرؤوس بالفؤوس..
والمارة في الطريق ما بين محتجز عن عمل وموعد أو بين مغامر يسير بينهم وهو ينتظر الموت في كل جزء من الثانية فهذا وذاك كل منهم تجد لسانه يلهج بالدعاء عليهم لما سببوه للناس من الأذى العظيم.
فاتقوا الله يا معشر الشباب ودعوا عنكم هذه الظاهرة القبيحة فإنها تجر الى مجموعة من الجرائم والقبائح فإنها تجر الى السرقات والمخدرات وفعل الفواحش والعداون والظلم ثم تجر الى سوء الخاتمة والعياذ بالله.
وليتق الله من يعينهم على هذا المنكر من الجمهور المشجع لهم وممن يرقب لهم وصول الجهات الأمنية. وكذا اللذين ينتجون لهم الأفلام التي تعرض ما يقومون به ويخرجونها على صورة تشجع الشباب والناشئة على أن يخوضوا التجربة نفسها ويسيروا على الطريق نفسه.
نسال الله أن يهديهم وأن يصلحهم وأن يسخر طاقتهم فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالنفع.
وأن يوفق الجهات المسوؤلة للحلول الجذرية التي تريح البلاد والعباد من هذه الظاهرة التي أضرت بأصحابها وبغيرهم.
جزاكم الله خيرا و بارك فيكم و جعل ذلك في ميزان حسناتكم يوم القيامة … اطال الله عمركم في طاعته
وفقك الله لطاعته