أما بعد:
فإن الله تعالى لما شرع فريضة الصلاة شرع نوافل الصلاة لتكون باباً واسعاً للأجور والحسنات، ورفعة للدرجات وكفارة للسيئات ، وجبراً لما يقع في الفرائض من النقص والهفوات، وينبغي في حق كل مسلم ومسلمة أن يحرص على النوافل فإن حرصه عليها علامة على حياة قلبه وصدق رغبته كما أن الحفاظ عليها سبب عظيم في الحفاظ على الصلاة المفروضة كما أن تفريطه فيها قد يجره إلى التفريط في الفريضة.
فمن تلك النوافل السنن الرواتب وهي ركعتان قبل الفجر وركعتان أو أربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء.
فآكد هذه الرواتب سنة صلاة الفجر وفيها يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» وقال عنهما «لهما أحب إلي من الدنيا جميعا» وتقول عائشة : "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح" أخرجها مسلم في صحيحه.
ويشرع للمسلم أن يخفف هاتين الركعتين ولا يطيل فيهما يقرأ في الأولى بعد الفاتحة الكافرون وفي الثانية بعد الفاتحة "قل هو الله أحد". رواه مسلم عن ابي هريرة. أو يقرا في الأولى بعد الفاتحة آية البقرة (قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ) الآية ويقرأ في الثانية بعد الفاتحة أية أل عمران (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الت الله) الآية.
ومن فاتته قبل صلاة الفجر فإن شاء صلاها بعدها وإن شاء انتظر حتى تطلع الشمس ثم يصليها.
وأما سنة الظهر فإن شاء صلى قبلها ركعتين وبعدها ركعتين لحديث ابن عمر "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر" رواه البخاري
وإن شاء صلى أربع ركعات قبلها وأربعا ًبعدها لحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه أحمد والترمذي وغيرهما
وإن شاء صلى قبلها أربع ركعات وبعدها ركعتين لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر» .
وليس للعصر سنة راتبة قبلها لكن يشرع للمسلم أن يصلي بين كل أذان وإقامة لحديث عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بين كل أذانين صلاة ثلاثا لمن شاء) أي كرر الجملة ثلاث مرات والمقصود بالأذانين الأذان والإقامة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما صلى قبل العصر ركعيتن وربما صلى اربعاً فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: قال: «كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي قبل العصر ركعتين» رواه أبو داود وعنه أيضاً أنه قال (ان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي قبل العصرِ أربع ركعات) رواه الترمذي . وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رحمَ اللهُ امْرَءاً صَلَّى قبلَ العَصْرِ أَربَعاً» . أَخرجه الترمذي، وأبو داود. وأما بعد العصر فوقت نهي لا يجوز التنفل فيه حتى تغرب الشمس.
وليس للمغرب سنة قبلية ولكن كما سبق يشرع للمسلم أن يصلي بين الأذان والإقامة. وفي حديث ابن مغفل "صلُّوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين، لمن شاء، خشيةَ أن يتخذَها الناسُ سُنَّة» . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «كان المؤذِّن إِذا أَذَّن قام ناس من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- يَبْتَدِرُونَ السَّواريَ حتى يخرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- وهم كذلك يُصلُّون ركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإِقامة شيء» . يعني ليس بينهما فاصل طويل .
وأما السنة الراتبة للمغرب فركعتان بعدها ، وكذا العشاء ليس قبله سنة راتبة وأما بعده فركعتان. فحافظوا عباد الله على هذه السنن الرواتب وعودوا عليها أبناءكم وذكروا بها نساءكم في بيوتكم فهي أعمال يسيرة وأجور كبيرة . ثبت عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت : " سَمِعْتَ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: - مَنْ صَلَّى اثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي اَلْجَنَّةِ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وزاد الترمذي " أَرْبَعًا قَبْلَ اَلظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلْمَغْرِبِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ اَلْعِشَاءِ , وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ اَلْفَجْرِ" . جعلني الله واياكم ووالدينا وأوزاجنا وذرياتنا من سكان الجنة وأهلها إنه سميع مجيب الدعاء
اقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واستكثروا من نوافل الصلاة فإنها خير موضوع وإنك لن تسجد لله سجدة أي لن تصلي ركعة إلا رفعك الله بها درجة من درجات الجنة.
وإن من الأحكام المتعلقة بالنوافل ومنها السنن الرواتب أن الأفضل للمسلم أن يصليها في بيته فإذا أذن توضأ وصلى في بيته السنة القبلية كما في الفجر والظهر وإذا رجع الى بيته صلى السنة البعدية كما في الظهر والمغرب والعشاء لحديث زيد بن ثابت في الصحيح ( صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) فالصلاة في البيت نور وسعادة وتربية لأهله وأطفاله وطرد للشياطين فإنها تفر من ذكر الله. وإن صلاها في المسجد فلا حرج لكن الأفضل أن تصلى في البيوت.
وأما راتبة الجمعة فليس لها راتبة قبلها وإنما يصلي المسلم قبل الجمعة ما كتب الله له ركعتين أو أربع أو ثمان أو أكثر وأما بعدها فإن شاء صلى ركعتين وإن شاء صلى اربع والاربع افضل لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا) رواه مسلم عن ابي هريرة.
جعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وممن يتبع العلم العمل والتطبيق وأن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد ،
جزاك الله خيرا على جهودك الطيبة
واسال الله ان يجعلها في موازين حسناتك