العنوان : الحث على الاجتهاد في شعبان _ موت الامير نايف رحمه الله
أما بعد:
فإن الله عز وجل لم يكتب الخلد لبشر ولا البقاء السرمدي لأحد كما قال تعالى (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وكما قال تعالى (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) [الأنبياء : 34 ، 35]
فالله خلق هذه الحياة ليبلونا فيها ويختبر أعمالنا ثم خلق من بعده الموت لتكون النقلة الى الدار البرزخية ثم إذا جاء اليوم الموعود ونفخ في الصور قام الناس لرب العالمين ليجازيهم ويحاسبهم على أعمالهم التي كانوا أسلفوها في دنياهم كما قال تعالى تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) [الملك : 1 - 3] وكما قال تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) [المؤمنون : 12 - 16]
فما هذه الحياة الدنيا بدار خلود ولا قرار ولا بقاء بل هي دار معبر وممر الى الأخرة فالسعيد من وفقه الله فيها فتزود لأخرته بالإيمان الصادق والعمل الصالح.
وإن في حوادث الموت التي تنزل كل يوم بنفس فتنقلها الى القبور لعظة وعبرة وذكرى فهم السابقون ونحن اللاحقون فتذكروا الموت عباد الله استجابة لنبيكم صلى الله عليه وسلم حيث يقول (أكثروا من ذكروا هاذم اللذات) أي قاطعها وهو الموت. رواه أحمد والترمذي وغيرهما
إن ذكر الموت يزهد في الدنيا ويرغب في الأخرة وينشط على العمل ويردع النفس عن كثير من شهواتها المردية ورغباتها المتلفة..
وإن من خير الشهور التي يشرع فيها الاجتهاد في الطاعة والعبادة شهرَ شعبان ولا سيما بالإكثار فيه من الصيام تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصومه كله أو أكثره تقول عائشة رضي الله عنها وما رأيته صلى الله عليه وسلم أكثر صياما منه في شعبان متفق عليه وقالت : لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يصوم شهرا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله وكان يقول ( خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ) . متفق عليه. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم رواه النسائي وحسنه الألباني.
وكان بعض السلف يجتهد في قراءة القران في هذا الشهر أكثر مما قبله كما نقله عنهم ابن رجب في لطائف المعارف .. ولعل من الحكمة في ذلك أن يكون كالمقدمة والتمهيد بين يدي رمضان حتى يسهل على المسلم الصيام في رمضان وتسهل عليه القراءة الكثيرة فيه.
اللهم وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتجاوز عنا..
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
أما بعد:
فإن الله تعالى قد ابتلى المسلمين عامة وأهل هذه البلاد خاصة بموت الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة نعم أيها الإخوة إن موته مصاب عظيم لما كان له من المواقف الكبيرة والجهود العظيمة في خدمة الإسلام وأهله فكان رحمه الله حريصاً كل الحرص على العقيدة السلفية يدافع عنها بكل صراحة ووضوح ويستحث العلماء وطلبة العلم على بذل الجهود في نشرها وبيانها وكشف الشبهات حولها ويستنفرهم لأن يسلموا الأمانة لمن بعدهم صافية نقية كما استلموها ممن سبقهم من أسلاف هذه الأمة الصالحين.
كان يبدي ويعيد ويكرر ويؤكد أن هذه الدولة دولة سلفية وستظل سلفية بإذن الله وحرص على الحضور بنفسه الى الندوة التي تحمل شعار السلفية قبل أشهر مع شدة مرضه وفاء منه لهذه العقيدة ومناصرة لها..
كان درعاً حصيناً أمام المتبرمين من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهازها القائم بها فكان يرد عليهم بمكانة هذه الشعيرة وأنها من أسس ودعائم وأركان الدولة المسلمة ويتلو قول الله تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض اقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) وكان يقول لبعضهم (حين تكبرون ويكون لكم بنات من أصلابكم ستعرفون قيمة الهيئة)
كان رحمه الله حريصاً على الأمن والاستقرار والاجتماع حتى أصبحت بلادنا بحمد الله وفضله من أحسن الدول أمنا واستقراراً وحين ابتلينا بعقيدة الخوارج في بعض أبنائنا عالج هذا الملف علاجاً حكيماً متوخياً فيه طريقة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب والتي تقوم على ركيزتين الحزم والقوة بالمواجهة المسلحة. والرأفة والرحمة المتمثلة في المناصحة والاستصلاح وإكرام التائب النادم وكان حريصا على مناصحتهم ويقول لا اريد أن يخسروا دينهم.
وكان سيفاً مصلتاً على كثير من أعداء السنة وأعداء هذا البلد فأورثته مواقفه تلك محبة كبيرة في مشارق الأرض ومغاربها عند أهل الإسلام والسنة وأورثته أيضاً بغض أهل الباطل والزيغ في الداخل والخارج وكلا الأمرين شهادة خير له..فمن علامة استقامة المسلم أن يكون محبوباً عند أهل السنة مبغوضاً عند أهل البدعة.. كما كان حال القائمين بأمر الدين حقاً وصدقاً على مر العصور والدهور..
أيها الإخوة:
إن كانت المصيبة كبيرة بفقد هذا الأمير الصالح إن شاء الله فإن الفرحة كبيرة باجتماع الكلمة والتئام الصف بمبايعة الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد فقد تم ذلك بكل يسر وسهولة في الوقت الذي ترون فيه كيف يتنازع الناس من حولكم كرسي الحكم وكم تسيل بسببه من أنهار الدم وكم يتكبدون من المصائب والخسائر المادية والمعنوية بسبب التناحر والتنازع.
فيا رب لك الحمد على نعمك والائك ولك الشكر ولك الفضل في ذلك وحدك فأوزعنا شكر نعمتك يا أرحم الراحمين.