إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله إن الدنيا ليست دار مقر ولا بقاء ولكنها دار ارتحال وفناء فنحن فيها كالمسافر ينزل تحت ظل شجرة ثم يقوم عنها ويمضي لسبيله، فالعاقل السعيد الموفق هو الذي يغتنم حياته الفانية ليسعد في الحياة الدائمة الباقية، وإن سعادة الآخرة لا تنال بعد فضل الله تعالى إلا بالتوحيد الخالص من الشرك وبالأعمال الصالحة المبنية على إخلاص القصد لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن أفضل الأعمال الصالحة التي ينبغي للعبد أن يعتني بها الإكثار من ذكر الله تعالى في كل حال تأسياً بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان يذكر الله على كل أحيانه. وامثتالاً لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } والإكثار من الذكر هو صفة أولي الألباب كما قال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } وهو وسيلة الفلاح فقال تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
والإكثار من الذكر هو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته قال معاذ بن جبل رضي الله عنه إِنَّ آخِرَ كَلِمَةٍ فَارَقْتُ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَوْ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» رواه البخاري في خلق أفعال العباد. وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله» رواه الترمذي.
فذكر الله تعالى عمل لا كلفة فيه ولا مشقة ومع ذلك ففيه الأجر الكبير والثواب العظيم.
ولعظم ثوابه وكثرة أجوره فضّله النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله بالسيف وعلى إنفاق الأموال في وجوه الخير فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والوَرِق _يعني الفضة_، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ذكر الله» وقال معاذ بن جبل: «ما عمل امرؤ بعمل أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله» رواه ابن ماجه.
فأكثروا من ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وبقراءة القرآن وبأذكار الصباح والمساء وأذكار النوم وأذكار الاستيقاظ من النوم وأدبار الصلوات المكتوبة، وأكثروا من الاستغفار، وألّحوا بالدعاء لا سيماء في أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة وفي السجود، وحال الصيام وحال السفر. جعلني الله وإياكم ممن ذكر الله ذكراً كثيراً وسبحه بكرة وأصيلاً وتبتل إليه تبتيلاً ، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان واقتفى أثرهم. وسلم تسليما
أما بعد فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من ذكر الله فالذكر للعبد شرف عظيم. وأي شرف فوق أن يذكرك الله تبارك وتعالى فقد قال صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» متفق عليه.
والذاكرون الله كثيراً هم السابقون يوم القيامة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ، فَقَالَ: «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ» رواه مسلم.
فأشغلوا ألسنتكم بقول لا إله إلا الله فقد قال صلى الله عليه وسلم “إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ” متفق عليه. ومن قالها في يوم مائة مرة “كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ” رواه مسلم.
وأكثروا من قول سبحان الله وبحمده في الصباح والمساء لقوله صلى الله عليه وسلم ” مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ” رواه مسلم.
وأكثروا من قول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لقوله صلى الله عليه وسلم ” كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ ” متفق عليه.
وإذا تنافس الناس في الدنيا وزهرتها فتنافسوا في الباقيات الصالحات وامتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم «استكثروا من الباقيات الصالحات “. قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: ” التكبير، والتهليل، والتحميد، والتسبيح، ولا حول ولا قوة إلا بالله» ” رواه أحمد.
اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم ارزقنا قلوباً سليمة وأخلاقاً مستقيمة وألسنة ذاكرة وقلوباً خاشعة وأعيناً من خشيتك دامعة برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما فيه الخير والصلاح للبلاد والعباد وارفع بهم علم الحق والجهاد واقمع بهم أهل الزيغ والفساد. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.