إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن توحيد الله تعالى بإفراده بالعبادة هو أوجب الواجبات ، بل من أجل التوحيد خلقنا الله وأوجدنا من العدم كما قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 – 58]
ومن أجله أرسل الله الرسل كما قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وقال تعالى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]
ومن أجله أنزل الله الكتب كما قال تعالى {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} وقال تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} والقرآن كله في التوحيد وما يتعلق به من أوله إلى آخره.
وهذا التوحيد هو معنى لا إله إلا الله أي لا معبود حق إلا الله فكل معبود سواه عبادته باطلة كما قال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) }
فكيف يحق لمن يقول لا إله الا الله أن يستغيث بالموتى والأولياء والغائبين يناديهم كما ينادي الله ويعتقد فيهم أنهم ينفعون ويضرون وفي الكون يتصرفون.
وكيف يجوز لمن يقول لا إله إلا الله أن ينذر للقبور والأضرحة والمشاهد والسادات والأولياء، ويقدم لها الصدقات والقرابين.
وكيف يعقل ممن يقول لا إله إلا الله أن يذبح الذبائح للجن والشياطين والسحرة والمشعوذين تقرباً إليهم أو خوفاً منهم أو تعظيماً لهم.
وكيف يمكن لمن يقول لا إله إلا الله أن يطوف بالقبور ويعكف عندها ويسجد لها خاشعاً متذللاً.
وكيف يتصور ممن يقول لا إله إلا الله أن يصرف لب العبادة وخلاصة العبادة ومجمع العبادات القلبية وأنواع التوحيد ألا وهو الدعاء كيف يتصور ان يصرفه لغير الله من الأنبياء والأولياء والموتى والغائبين.
إن لا إله إلا الله تمنع ذلك كله وتأبى ذلك كله وترفض ذلك كله لأن معناها لا تعبدْ إلا الله لاتستغث إلا بالله لا تنذر إلا لله لا تذبح إلا لله لا تطفُ ولا تعكُف ولا تسجد إلا لله، لا تَدْعُ أحداً إلا الله.
هذا هو معناها وهذه هي حقيقتها ولهذا أبى المشركون أن يقولوها وآثروا الموت على أن يقولوها كبراً وتعصباً لآلتهم لأنهم أدركوا أن قبولهم لها وعملهم بها يقتضي منهم أن يكفروا بكل معبود سوى الله وأن يخلصوا لله وحده كل أنواع العبادات كما قال تعالى {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}
فيا من فُتن بالتعلق بالأضرحة والقبور ودعاء الموتى والغائبين واعتقاد النفع والضر فيهم تب إلى الله جل وعلا وأخلص له الدين والعبادة ولا تلتفت لمن يزين لك صرف العبادة لغير الله تعالى بالشبهات والترهات فقد اعتذر المشركون بأنهم عبدوا الآلهة لتقربهم إلى الله ولتشفع لهم عند الله فما قبل الله منهم هذا التأويل بل كذبهم وكفرهم قال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}. وقال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
لا تعرض عن كلام الله ولا تنبذه وراء ظهرك تعظيماً لآبائك أو تقليداً لعادات أهل بلدك أو اغتراراً بمن ولي الفتوى والإرشاد في بلدك فلا عذر لك وأنت تسمع وتفهم هذه الآيات الواضحات البينات الآمرة بإخلاص العبادة لله وحده الناهية عن الشرك به في مئات الآيات بعشرات الأساليب.
اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله حقاً وصدقاً اللهم أحينا عليها وتوفنا عليها برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولي المتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد:
فإن الله تعالى كما نهانا عن الشرك الأكبر الذي هو صرف العبادة لغيره من المخلوقات كالأنبياء والملائكة والأولياء وغيرهم نهانا أيضاً عن الشرك الأصغر وهو من أعظم الذنوب وأخطرها حتى كان من أخوف ما يخافه علينا النبي صلى الله عليه وسلم كما قال : “ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال الرياء ان الله تبارك وتعالى يقول يوم تُجازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء” رواه أحمد.
ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله كما قال صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» رواه أبو داود. ومع ذلك فما أكثرَ من يتساهل اليوم بالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالكعبة وبالآباء وبالحياة وبالشرف والأمانة وبالأولياء والسادة.
ومن الشرك الأصغر الذي يتساهل فيه كثر من الناس نسبة النعم لغير الله والعطف على لفظ الجلالة بالواو قال الله تعالى فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون قال ابن عباس في تفسيرها : “الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل, وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة, ولولا البط في الدار لأتى اللصوص, وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت, وقول الرجل: لولا الله وفلان, لا تجعل فيها فلانا, هذا كله به شرك” أي هذه الألفاظ كلها شرك بالله. وتصحيح هذه العبارات أن تحلف بالله وحده، وأن تقول لولا الله ثم البط لأتى اللصوص ولولا الله ثم فلان لحصل كذا.
فلنحذر عباد الله من الشرك كله أكبره وأصغره ظاهره وخفيه فإن الشرك أعظم الذنوب وأشدها جرماً وقبحاً.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى خلفائه الراشدين وأزواجه وأهل بيته وعامة أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وأصلح لهم البطانة ، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه ولا تجعله ملتبسا عليهم فيضلوا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
Thanks