أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا ان من تقوى الله لزوم الجماعة والتدين لله بالسمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم ومحض النصح له. فإن الإسلام لا يقوم إلا بالجماعة والجماعة لا تقوم الا بالإمامة والإمامة لا تستقيم الا بالسمع والطاعة.
قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال تعالى (يا ايها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقال صلى الله عليه وسلم (على المرء المسلم السَّمعُ والطاعَةُ فيما أحَبَّ أو كَرِهَ ،إِلا أَنْ يُؤمَرَ بِمَعْصِيَةٍ.. ) الحديث. متفق عليه
وذلك أن اجتماع المسلمين تحت ولاية خليفة أو ملك أو رئيس أو سلطان من نعم الله تعالى على عباده فباجتماعهم يبسط الأمنُ عليهم كنفه فيتفرغون لمصالح دينهم ودنياهم ولو كان هذا الوالي فاسقاً في نفسه ظالماً جائراً في سياسته. فما يُجري الله على يده من المصالح أعظم مما يقع منه من الفساد والشرور.. وتفكروا في حال البلدان التي هاجت وماجت وتمردت على ولاتها كم خسرت من الأنفس والأعراض والأموال في أيام فتنتها تجدونه شيئاً عظيماً يفوق أضعافاً مضاعفة ما كانوا ينقمونه على ولايتهم في عهدها كله.. ولا تزال حال تلك البلاد بعد الفتنة شراً من حالها قبله _ نسأل الله أن يلطف بالمسلمين ويصلح أحوالهم
أيها الإخوة في الله:
لقد كان من دين الجاهلية وأخلاقها وقيمها الفرقة والاختلاف والأنفة من الخضوع لوال تسمع له وتطيع فكانوا يعيشون غالباً على الظلم والعدوان واكل القوي للضعيف وعلى السلب والنهب فجاء الإسلام وأبطل ذلك الدين الجاهلي المقيت وامر بالاجتماع والألفة وأمر بالسمع والطاعة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وأن تامر عليكم عبد حبشي) يؤكد على هذا الأمر العظيم بهذا الأسلوب الذي له دلالته ومغزاه ، فإنهم كانوا يأنفون أن يخضع القريب لقريبه فأمرهم بالخضوع ولو ولي عليهم من لا ينظرون إليه إلا نظرة دونية تأكيداً وتنبيهاً..
وإذا كان أهل السنة قد ورثوا عقيدة السمع والطاعة لولاة الأمور من ميراث الكتاب والسنة وورثه اللاحق منهم عن السابق والخلف التابع عن السلف الصالح فإن الخوارج والمعتزلة ومن سار على منهجهم من الحركات الثورية قد ورثت عن الجاهلية الأولى النزاع والشقاق والفرقة والاختلاف والتمرد على ولاة الأمور بغير حق شرعي.
ولما خالفت منهج الشرع لم يجن المسلمون من طرائقهم الجاهلية الا الذلَ والهوان والفرقة والاختلاف وتسلط الاعداء..وهذا تاريخ الثورات مبسوط مدون في كتب التاريخ من شاءه رجع اليه وسيجد ما يدمع العين حزنا ويقطع القلب كمداً وأسفاً.
والتجارب القريبة التي حصلت هنا وهناك رأى فيها العقلاء الذين لايقتاتون على اشلاء القتلى ولا ينتفعون بالدمار والخراب رأوا فيها العواقب المرة للخروج والتمرد على أولى الأمر بطريقة لا تتوافق مع الدين الإسلامي..
أيها الإخوة:
إن من الناس من يسعى جاهداً لكي يشعل الفتنة في هذا البلد الكريم المملكة العربية السعودية حرسها الله بلدِ الحرمين وقلعةِ المسلين بطرق متعددة ومن طرقهم الحديثه إنشاء معاهد تدرب ابناءنا طرق إعداد الثورات وقلب أنظمة الحكم وأكثر تركيزهم الأن على السعودية فهاهم يستقبلون كل سنة عدداً من أبنائنا وبناتنا من أبناء هذا البلد ويخرجونهم الى بعض البلاد ويغلقون عليهم الفنادق اياماً وليالي يدربونهم فيها على الإعداد للثورات والتخريب والإفساد ومواجهة رجال الأمن وغير ذلك مما تحتاجه الثورات..
فاحذروا من هذه الأكاديميات فإنها لا تريد الا تغيير أمننا واجتماعنا وديننا
واحذروا ملتقياتهم فإنها لا تريد بنا الا النهوض الى أسفل سافلين وأي سفال بعد الإلحاد وتقديم الحرية على الدين والتحالف مع أشد الناس لنا مع معشر أهل السنة عداوة وبغضاء.
ولا يغرنكم أي اسم من الاسماء يشرف على هذه الأنشطة فليس ذلك دليلاً على موافقتها للشرع بل هو دليل على بعد أصحاب تلك الأسماء من الشرع والعقل والنصح إذا كانت تسعى لتحقيق الدمار والخراب والفتنة في بلادنا والعياذ بالله..
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وأياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: أيها الإخوة في الله
إنه ليس سراً إذا قلنا إن هذه الجماعات والحركات المنتسبة للدين تسعى جاهدة لتغيير أوضاعنا وتخطط للخروج والفتنة فهذا يكتبونه باقلامهم ويتفوهون به بالسنتهم وهاهم يعدون العدد ويرسمون الخطط الواحدة تلو الأخرى للوصول الى مأربهم فلما فشل أحد أجنحة تنظيمهم في المواجهات المسلحة لتحقيق مقاصدهم غيروا الخطة الى التغيير السلمي ونسأل الله أن يفشل سعيهم وأن يرد كيدهم في نحورهم.
والمقام لا يتسع لإكثار النقل عنهم ولكن أكتفي بنقل واحد يختصر عامة أهدافهم وأمالهم يقول مؤسس أحد أكبر هذه الحركات في مجموع رسائله تحت عنوان ماذا نريد :
(ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية) ..ثم يقول ( فمصر وسورية والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول : لا إله إلا الله ، كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصه وضم أجزائه بعضها إلى بعض) فهذا باختصار مشروع ثورتهم فهم يسعون للانقلاب على حكومات هذه البلاد والاستيلاء عليها دون مراعاة لحكم الشرع فيما يتعلق بتحريم الخروج على ولاة الأمور ولا النظر فيما ستجره هذه المخططات من سفك دماء المسلمين وإثارة الفتن والفوضى والاضطراب في بلادهم .. كل ذلك لا يهمهم إنما المهم في فكرهم هو الوصول الى الحكم بأي ثمن كان والعياذ بالله.
فالحذر الحذر من هذه المؤمرات واعتصموا بدينكم واستمسكوا بالسمع والطاعة لولاة امركم فهذا هو طريق الخلاص من فتن الدنيا والدين.
الله أكبر جزاك الله خيراً