العنوان : خطر سب الصحابة رضي الله عنهم
أما بعد:
فإن الصحابة رضوان الله عليهم لهم مقام عظيم فإنهم خير الخلق بعد النبيين والمرسلين لقوله صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني) الحديث.
وفي الكتاب والسنة ما لا يمكن حصره من أدلة الثناء عليهم ومدحهم وتزكيتهم والشهادة لهم بالإيمان والعمل الصالح والتنويه بما قدموه من الهجرة والنصرة والجهاد في سبيل الله والبشارة لهم برضى الله عنهم ومغفرته لهم وتوبته عليهم وأن الله قد أوجب لهم الحسنى وهي الجنة.
و للصحابة الفضل بعد الله _على هذه الأمة إلى قيام الساعة_ في الحفاظ على دين الله تعالى والمحافظة على الكتاب والسنة إذ نقلوهما تامين كاملين إلى من بعدهم فلا نتعبد الله تعالى اليوم بعبادة مشروعة قلت أو كثرت إلا على ضوء ما نقلوه لنا فلهم أجرهم وأجر من آمن بالله ورسوله إلى قيام الساعة.
ولما كانت لهم هذه المنزلة العلية والميزة التي لا يشاركهم فيها أحد جاء النهي الصريح عن سبهم والقدح فيهم والطعن في صدقهم وإيمانهم والنهي عن ذكرهم بالسوء بأي سوء كان. جاء هذا النهي في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي آثار السلف الصالح من الصحابة أنفسهم والتابعين لهم بإحسان.
فبعد أن مدح الله المهاجرين ومدح الأنصار في سورة الحشر قال تعالى (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) فدلت هذه الآية على أنه لا بد أن يكون قلب المسلم طاهراً نقياً تجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون فيه شيء من الغل والحقد والبغض وأن يكون لسانه طاهراً نقيا لا يتحرك في ذكرهم إلا بالذكر الحسن الجميل من الاستغفار والترحم والترضي والثناء قالت عائشة «أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبُّوهُمْ» أخرجه مسلم في كتاب التفسير من صحيحه.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» متفق عليه واللفظ لمسلم. يعني لا يبلغ أجر أحد مثل أجرهم ولو فعل ما فعل فأجر الصحبة لا يعدله أجر ولا ثواب.
وقال صلى الله عليه وسلم (من سب أصحابي فعليه لعنة الله) رواه ابن أبي عاصم في السنة. وقال ابن عمر: لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره.
وقال الإمام أحمد فيمن شتم صحابياً واحداً: "ما أُراه على الإسلام".
وإذا كان سب المسلم عموماً حراماً وفسوقاً وعصياناً فسب الصحابة أكبر من ذلك بكثير لأن الفساد الذي يترتب على سبهم أشنع من الفساد الذي يترتب على سب غيرهم من المسلمين.
فسبهم فيه تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فإذا كان الله قد شهد لهم بالإيمان الحق كما قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وأعلن عن رضاه عنهم فقال سبحانه {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فكيف يتجرأ مسلم فيشكك في إيمانهم وصلاحهم وديانتهم اليس الله تعالى حين أنزل هذه الآيات البينات قد علم ما سيكون منهم؟ اليس الله تعالى حين أنزل هذه الآيات البينات لم ينزل بعدها حرفاً واحداً في ذمهم أو نسخ ما أثنى به عليهم. (قل أأنتم أعلم أم الله) نعوذ بالله من حال أهل الزيغ.
اللهم طهر قلوبنا من الغل على أحد من أصحاب نبيك وطهر ألسنتنا من ذكر أحد منهم بالسوء برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم منكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن سب الصحابة كلهم أو أكثرهم أو كثير منهم هو أمر مشترك بين فرق الضلال كالمعتزلة والخوارج والشيعة والرافضة وأشدهم في ذلك الرافضة والعياذ بالله. ومما يؤسف له أن يتأثر بطريقة هؤلاء الضالين بعض من ينتسب إلى السنة فتجده يطعن في بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سيما معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما وما مطاعن سيد قطب عنا ببعيد إذ قال عنهما (وحين يركن معاوية وزميله _ يعني عمرو بن العاص_ إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل).
فالقادحون في الصحابة الذامون لهم يجب أن يحذر منهم ومن كتبهم كلها ولا يجوز أن يغش المسلمون بهم لأن ذلك يؤدي إلى الرضى بضلالهم ثم إلى متابعتهم فيه والعياذ بالله.
إن سب الصحابة يا عباد الله هو وسيلة لهدم الدين من أساسه وسلة لهدم ثقة الناس بالكتاب والسنة لأن الذي نقل إلينا الكتاب والسنة هم الصحابة فإذا طعن فيهم طعن فيما نقلوه لنا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الإمام الكبير أبو زُرعة رحمه الله : "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بِهم أولى، وهم زنادقة".
وسبهم أيضاً يجر إلى سب الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه فالمرء على دين خليله فإذا قال الرافضة واشباهم عن خواص أصحابه وأحبهم إليه أنهم كانوا منافقين كفرة وكذبة فجرة وجبناء غششة كان معنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم على مثل تلك الحال لأن الإنسان إنما يحب ويعاشر أشكاله وأشباهه وحاشا رسول الله وحاشا أصحابه عن مَثَل السُوء وصفةِ السُوء.
فحذار حذار من هذا المنزلق الخطير الذي أخذ يتسلل إلى بعض أبنائنا لأسباب كثيرة من أهمها التساهل بخلطة الطاعنين في الصحابة والتساهل بقراءة كتبهم ومقالاتهم والاستماع لدروسهم ومحاضراتهم وكلماتهم لهم كفانا الله شر كل ذي شر.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..