إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى واشكروه على نعمه التي لا تحصى واعلموا أن الله تعالى أنعم على بلادنا بنعم كثيرة، عظيمة جليلة، جعلتها محط أنظار الملايين من الراغبين في العيش على هذه الأرض من وجود الحرمين الشريفين واستتباب الأمن ورغد العيش ووفرة فرص الكسب والعمل، ولما كان من المعلوم ضرورة أن البلاد لا تتسع لكل راغب من أقطار الأرض أن يسكن فيها أو يكتسب فيها وأن أبناءها أولى بها من غيرهم نظمت الدولة أنظمة الهجرة والعمل والزيارة كما هو الحال في كل دولة.
فعلى المواطن والمقيم أن يتقي الله تعالى وأن يلتزم بالأنظمة المتعلقة بالعمل والعمال امتثالاً لأمر الله تعالى إذ يقول (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ثم حفاظاً على أمن البلد واستقراره واقتصاده..
إن أنظمة الدولة قد كفلت للعامل ما كفله له الشرع الحكيم من الحقوق التي له وكفلت لصاحب العمل حقوقه تجاه العامل لديه. وبذلك تصلح أحوال الوطن أمنا واقتصاداً وتصلح أحوال العمال وأصحاب العمل راحة وطمأنينة وعدالة.
ولكن من المؤسف إخوة الإيمان ما يقع فيه كثير من الناس من مخالفة الأنظمة من المواطنين أو من المقيمين أو من العمالة نفسها.
ومن ذلك الدخول إلى البلاد بصورة غير شرعية، ومنها البقاء فيها بعد انتهاء المدة النظامية للحج أو العمرة أو الزيارة، ومنها استقدام العمال ثم تسريحهم يعملون حيث شاؤوا مقابل مبلغ مالي، ومنها تشغيل العمالة السائبة في البيوت والمحلات التجارية، ومنها التعاون معهم على تهريبهم وتنقلهم من مدينة لأخرى، ومنها البيع لهم والشراء منهم، إلى غير ذلك من الصور التي لا تخفى.
ولا شك أن هذه الممارسات خطيرة جداً، ومن مخاطرها:
أولاً: تهديد الأمن لأن العمالة السائبة مجهولةَ الهوية أجرأ على ارتكاب الجرائم الأمنية والأخلاقية من غيرها، ولهذا تكثر جرائمهم في القتل والسلب والنهب والمتاجرة في الخمور والدعارة والممنوعات بشكل عام.
ثانياً: تهديد الأمن من جهة احتمال كونهم مرسولين من جهات معينة معادية لبلادنا تسعى لتخريب الأمن والسلم بطريقة موجهة منظمة تسعى للإفساد بنفسها او بتجنيد من تقدر على تجنيده من ضعفاء النفوس من أبناء الوطن أو المقيمين فيها.
ثالثاً: تخريب الاقتصاد والأعمال الحرة والتجارة والكسب المشروع وذلك أنها لعدم التزامها بالواجبات الحكومية الرسمية تكون أكثر عدداً وأرخص أجرة فيقصدهم أصحاب العمل مما يضر بالعمال النظاميين وكفلائهم.
رابعاً: تهديد الصحة لكثرة ما تضخه هذه العمالة في الأسواق من الأطعمة والأشربة والأعشاب والأدوية والمنظفات وغيرها مما لا يصلح للاستعمال لفساده وخطره. مع ما يصحب ذلك غالباً من انتشار الرشوة وشراء الذمم الضعيفة للنجاة من سطوة الرقابة والعقوبة.
خامساً: إنشاء المجمعات السكنية العشوائية أو تحويل بعض الأحياء القديمة إلى تجمعات لا يسكنها غيرهم مما يهيئ لها الفرصة المناسبة لعدد كبير من الجرائم كبيع المخدرات وإيواء المجرمين وتخزين السلع المسروقة وتصريفها. وتوفير أماكن القمار والميسر والفواحش.
سادساً: مزاحمة أبناء الوطن في الأعمال الحرة وعدم تمكنيهم من الاستفادة من نظام السعودة في سوق العمل مما يولد حالة نفسية خطيرة بسبب شعور المواطن بالغبن والظلم أن يعجز عن البيع والربح في بلده، والعمالة السائبة الـمُتَسترُ عليها تزاحمه وتضايقه وتضطره للخسارة والخروج من السوق بسبب ما تقوم به من التكاتف والتعاون فيما بينها للإضرار بأبناء البلد.
سابعاً: انتشار أكل أموال الناس بالتحايل على عواطفهم عن طريق التسول المنظم الممنهج مستغلين عواطف الناس ورغبتهم في الخير فينتشرون حول الإشارات وفي المساجد وفي الأسواق نساءً وأطفالاً وعجزة وفقراء في الظاهر وهم يعملون لمن يوظفهم ويستغلهم لجمع الأموال مقابل مبالغ يأخذونها، أو يجمعون الأموال لبعض الجماعات الإرهابية التي ضاقت عليها مصادر الدخل بعد التشديد على محاربة دعم الإرهاب مالياً.
ثامناً: استنزاف أموال المواطنين وذلك أن تهريب العمالة السائبة والتستر عليها وتشغليها يشجع هروب العمال من كفلائهم بعد أن أنفقوا لاستقدام العامل أو العاملة أموالاً طائلة فتذهب أموالهم هدراً ثم يضطرون إلى تشغيل عاملات مجهولات برواتب مكلفة مرهقة خاضعة للزيادة بين فترة وأخرى.
أيها الإخوة لو ذهبنا نعدد مخاطر تشغيل العمالة السائبة والتستر عليها بشكل خاص وأضرار مخالفة أنظمة الدولة في الاستقدام والتشغيل بشكل عام لطال بنا المقام، وفيما ذكر كفاية لمن تدبر وتأمل.
نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا من كل سوء وأن يديم عليها نعمة الامن والاستقرار إنه سميع مجيب.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي المتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى أمر بالعدل وحرم الظلم فاتقوا الله فيمن عندكم من العمال بالإحسان إليهم وإكرامهم وأداء حقوقهم التي كفلها لهم الشرع والنظام، فإن الله تعالى حرّم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده.
وهذه البلاد نهضت بفضل الله تعالى ثم بسواعد أبنائها وكذلك بخبرات كثير من أبناء المسلمين من العرب وغيرهم ممن أفادوا بعقولهم وآرائهم أو بسواعدهم وعرق جبينهم فقاموا بالواجب الذي عليهم واستفوا الحق الذي لهم.
فهذا النوع الكريم من الأيدي العاملة ممن دخل البلاد نظامياً وعمل ويعمل بما يوافق الأنظمة دون تحايل ولا خداع ولا إضرار هو محل التقدير والاحترام والإجلال.
ولكن الذي نحذر منه ويحذر منه كل عاقل حريص على دينه وأمنه ووطنه ومستقبله هي العمالة المخالفة لأنظمة الدولة. فإنها تمثل مشكلة كبيرة خطيرة تهدد الأمن والاقتصاد وتمثل عائقاً وعبئاً كبيراً في حركة النمو كما تفعل الأمراض بالأجساد حين تثقلها ثم تهلكها.
أيها الإخوة:
لقد أطلقت الدولة أيدها الله وحرسها حملة قوية مباركة بعنوان (وطن بلا مخالف) وإن الواجب علينا جميعاً هو التعاون معها بتطبيقنا نحن للأنظمة بعدم تسييب العمالة التي تحت أيدينا وعدم تشغيل المخالفين وعدم التستر عليهم أو المساعدة على تنقلهم وتهريبهم وبالتبليغ عنهم فإن المصلحة في نجاح هذه الحملة هي مصلحة للجميع، كما أن خطر انتشار العمالة السائبة المخالفة هو خطر على الجميع.
و لا يعد ذلك من الظلم أو الإضرار بالمسلم أو العدوان عليه فلا يكن في صدرك حرج منه واسمع ما قالته اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله قالت اللجنة : ” لا يجوز التستر على العمالة السائبة والمتخلفة والهاربة من كفلائهم ولا البيع أو الشراء منهم؛ لما في ذلك من مخالفة أنظمة الدولة، ولما في ذلك من إعانتهم على خيانة الدولة التي قدموا لها، وكثرة العمالة السائبة، مما يؤدي إلى كثرة الفساد والفوضى وتشجيعهم على ذلك، وحرمان من يستحق العمل والتضييق عليه في كسب رزقه” اهـ فكونوا مع دولتكم يداً واحدة في التعاون على البر والتقوى.
اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا واجتماع كلمتنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما يرضيك وأعز بهم الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
اللهم انصر جنودنا ورجال أمننا وأعنهم على حفظ الأمن ودحر الأعداء وهزيمتهم إنك أنت القوي العزيز.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.