العنوان : أهمية الوفاء بالمواثيق والعهود، ورعاية (عاصفة الحزم) لها
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى واعلموا أن الوفاء بالعهود والمواثيق من صفات أهل الإيمان ومن أجلِّ مكارم الأخلاق، سواء كانت تلك العهود بين الخالق والمخلوق أم بين المخلوق والمخلوق.
فقد أمر الله تعالى بالوفاء بعهده فقال تعالى (وبعهد الله أوفوا) قال ابن جرير: "وإيفاء ذلك: أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الوفاء بعهد الله"
وأمر جل وعلا بالوفاء بالعهود التي تكون بين الناس فقال تعالى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} أي إذا أعطيتم أحداً عهداً فأوفوا به فإن الله تعالى سائلكم عنه ماذا فعلتم فيه فمن وفّى فله الأجر والثواب ومن خان ونكث فعليه الإثم والعقاب.
والوفاء بالعهود من صفات العقلاء أولي الألباب قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}
وتوعد الله تعالى الناقضين عهودهم فقال عزّ وجلّ {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
عباد الله:
إن الغدر بالعهود ونقض المواثيق ليس من صفات المؤمنين إنما هو من صفات المنافقين ومن هانت عليهم أنفسهم والعياذ بالله قال صلى الله عليه وسلم «لا إيمانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عهْدَ لَهُ» رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم «أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان مُنافِقاً خالِصاً، ومَنْ كانَتْ فيه خَصْلَةُ مِنْهُنَّ كانَتْ فيه خَصلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتّى يَدعَها: إذا ائْتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر» متفق عليه.
ولشناعة الغدر وقبحه فإن الله يفضح الغادر يوم القيامة على رؤوس الأشهاد قال صلى الله عليه وسلم «إذا جمَع الله الأوَّلينَ والآخِرينَ يومَ القِيامَة يُرفَعُ لِكُل غادرٍ لِواءٌ، فقيلَ: هذه غَدْرَة فلانِ ابْنِ فلانٍ» رواه مسلم.
ولما كان دينُنا دينَ الوفاء بالعهد فقد أُمِرنا بالوفاء بالعهود حتى مع أعدائنا من الكفار فقال صلى الله عليه وسلم «أيُّما رجلٍ أمَّنَ رجلاً على دَمِه ثُمَّ قَتَلَه؛ فأنا مِنَ القاتِلِ بَريءٌ، وإنْ كانَ المقْتولُ كافِراً» رواه ابن ماجه وابن حبان وهذا لفظه.
بل إن الله تعالى يوم القيامة يحاج عن المغدور ضد الغادر قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " رواه البخاري، وما ظنك بحال من يكون الله خصمَه يوم القيامة والعياذ بالله.
فتعاهدوا العهود التي عليكم فحافظوا عليها وتوبوا مما فرطتم فيه منها قبل أن يفوت التدارك.
فالواجبات الشرعية هي عهود بينكم وبين الله أن تفعلوها كالتوحيد والصلاة والزكاة وبر الوالدين وصلة الرحم وطاعة أولي الأمر في المعروف.
والمحرمات الشرعية هي عهود بينكم وبين الله أن تجتنبوها كالشرك والبدع والفواحش والظلم والعدوان.
والعقود التي بينكم وبين الجهة التي تعملون لها حكومية كانت أو خاصة هي عهود عليكم الوفاء بها.
والشروط التي استحللتم بها فروج نسائكم هي عهود عظيمة ومواثيق غليظة يجب الوفاء بها وفيها يقول تعالى (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً).
والشروط التي بينكم وبين الأيدي العاملة في نوع العمل وساعاته وراتبه وحقوقه هي عهود أنتم مسؤولون عنها أمام الله تعالى.
أيها الإخوة:
إن أفراد المجتمع المسلم لو التزم كل منهم بما عليه من العهود والأمانات والشروط لغمرت الناسَ مشاعرُ الرضى والسرور والغبطة ولكان كل منهم يبيت ويصبح مرتاح الضمير قد أدى الذي عليه ولكان كل منهم يشعر بالأمان والاطمئنان. إذا دخل السوق علم أنه لن يُغش، وإذا ذهب مراجعاً لمعاملته علم أنها ستنجز له في أسرع وقت وعلى أكمل وجه، وإذا اتفق مع عامل على عمل في بيته أو سيارته أو جهازه علم أن العمل سينفذ على أحسن ما يكون، وإذا أدخل ابنه المدرسة علم أنه سيتلقى التعليم المتميز والتربية الحسنة، وذلك أن كل فرد من أفراد المجتمع يراقب الله ويؤدي الذي عليه.
ولكنّ الواقعَ مع الأسف غيرُ ذلك في كثير من الأحيان وما ذلك إلا لضعف المراقبة لله ولضعف الشعور بالمسؤولية ولضعف الإحساس بخطر الغدر والخيانة وتضييع الأمانات.
فلنتق الله ولنتذكر أن الأمانة غداً لكل خائن بالمرصاد على الصراط تترقب من يمر بها من الخائنين لها والعياذ بالله كما أنها تكون عونا لمن قام بها وأداها.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الحديث عن وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق يجرنا إلى التنبيه والتأكيد على أن دولتنا وفقها الله حين اتخذت قرار عاصفة الحزم إنما كانت تنطلق وفق الأحكام الشرعية يتبين ذلك من خلال الأمور التالية:
أولاً: جاءت عاصفة الحزم تلبية لاستغاثة جار ملهوف جارت عليه عصابات انقلابية أزهقت الأرواح وأخافت الآمنين وشردت الساكنين ودمرت البيوت المعمورة وسلبت الأموال المعصومة وحق المستغيث إجابته وحق المظلوم نصرته وحق الجار الوقوف إلى جواره حتى تعود الأمور إلى نصابها فذلك من الوفاء بعهود الجوار ورعاية ذمام الأخوّة.
ثانياً: جاءت عاصفة الحزم دفاعاً عن أمننا وديننا وأعراضنا وأوطاننا أوطان الإسلام والسنة وذلك أن العصابات الحوثية ما هي إلا أداة في يد إيران الرافضية الصفوية قد دربتها ومدّتها بما فيه تهديد أمن المملكة وسلامتها ، وإيران لا تخفى عداوتها ولا مطامعها في ثروات بلاد الحرمين مما حباها الله به من المشاعر المقدسة وغيرها من النعم المادية والمعنوية ، ومن وراء ذلك عداوة دينية لدين التوحيد والسنة الذي تقوم عليه هذه البلاد فلو تمكن الرافضة لرأيتم الأوثان تعبد من دون الله في أرجاء هذه البلاد ، و لاندثر المعنى الحق لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ولصار الدعاء للأموات وصارت الاستغاثة بهم والاستعانة بهم، ولسمتعم سب أبي بكر وعمر وعثمان _رضي الله عنهم _ على منابر الحرمين ومنابر الجوامع. ولهدّمت في بلادكم هذه المساجد وشيدت بدلها الأضرحة والمشاهد.
ثالثاً: أن عاصفة الحزم هي تفعيل للمعاهدات التي وقعت عليها المملكة العربية السعودية في تحالفاتها الدولية والإقليمية، الهادفة إلى صد العدوان وإرساء دعائم الأمن وقد قال صلى الله عليه وسلم «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً» أي لا حلف في الإسلام على ما كانت تتحالف عليه الجاهلية من الغارات والظلم والعدوان اما التحالف على البر والتقوى وإحقاق الحق وإبطال الباطل فما كان من ذلك فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة وقوة وتأييداً.
عباد الله: إن هذه المعاني السامية تزيدنا قناعةً بمشروعية موقف دولتنا ومن معها من قوات التحالف، وتزيد جنودنا في الحدود وفي ميادين العزة والشرف حيثما كانت مواقعهم أنهم في جهاد عظيم يحتسبون على الله فيه أعظم الأجور التي أعدها للمجاهدين في سبيله.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعجل بنصر الجيش اليمني الشرعي وقوات التحالف على أعدائهم الرافضة جنود إيران ومن يقف معهم، اللهم عجل نصرهم واشدد أزرهم وسدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الظالمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وولي عهده وولي ولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى واستعملهم لما فيه صلاح العباد والبلاد وعز الإسلام والمسلمين برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك يا عزيز يا غفار.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.