أما بعد:
فإن الشريعة الإسلامية لكمالها وشمولها وانتظامها مصالح العباد فإنها كما جاءت بما يصلح الناس في حال يقظتهم جاءتهم أيضاً بأفضل الأحكام واحسن الاداب التي يصلح بها منامهم.
فجاءت السنة النبوية حاثة على كثير من الأداب التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها قبيل نومه وبعد استيقاظه، حتى ينال الأجر ويفوز بما يترتب عليها من خير عاجل وأجل.
ومن تلك الأداب على سبيل الإيجاز والاختصار:
أن ينوي الاستعانة بنومه على مرضاة ربه وطاعته بعد أن يستيقظ وقد تجدد نشاطه وانقشع عنه خموله وكسله.. فإن الوسائل لها أحكام الغايات والمباحات إذا اقترنت بها النية صالحة صارت عملاً صالحاً يثاب عليه العبد. كما في الصحيحين أن معاذاً قال (أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)
وعكسه من نام وهو ينوي بنومه الاستعانة على عمل محرم فنومه نوم إثم لسوء قصده وخبث نيته والأعمال بالنيات. ولكل امرئ ما نوى
أما من نام بلا استحضار نية صالحة ولا نية سيئة فنومه نوم مباح لا له ولا عليه
ومن أداب النوم أن يتوضأ قبله وضوءه للصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة) ولقوله صلى الله عليه وسلم (من بات طاهراً بات وفي شعاره ملك أي ثيابه الداخلية الملاصقة لجسده_ فلا يستيقظ إلا قال الملك اللهم اغفر له فإنه بات طاهرا) رواه ابن حبان في صحيحه.
ومن آدابه أن يخمر الأنية أي يغطي الأنية التي فيها شراب أو طعام وأن يطفئ النار سواء نار تنور أو جمر تدفئة أو نار غاز أو غيرها ، وأن يغلق باب بيته وباب غرفته يقوم بهذه الأعمال قبل نومه لما ورد في هذا من الأحاديث تطبيقاً للسنة وطلباً للسلامة فإني الأنية المكشوفة عرضة للحشرات والقوارض والهوام الضارة المفسدة
وبقاء النار مشتعلة مع نوم النائم لا يؤمن أن تعبث بها ريح أو حيوان أو غيرها فتحرق من في البيت أو تضرهم ضرراً بالغاً
وإغلاق الباب فيه وقاية له من تحريك الريح فإن الريح إذا حركته أصدر أصواتاً قد تفزع النائم من طفل أو امرأة أو غيرهما كما أن في إغلاقها حماية للبيت من السراق واللصوص ، وفيه أيضاً ستر للنائم حتى لا يدخل عليه داخل وهو على حالة غير مرضية..
كما يشرع له قبل أن يضطجع على فراشه أن ينفضه تطبيقاً للسنة فإن الفراش قد يكون فيه شيء من المؤذيات ولا سيما إذا كان الفراش في مزرعة او استراحة أو خلاء
فإذا أخد مضجعه فيسن أن يضطجع على شقه الايمن وأن يذكر الله بما تيسر من الذكر الوارد المأثور
فمنها قراءة أية الكرسي وقراءة سورة الإسراء وقراءة سورة الزمر وقراء سورة السجدة
ومنها ما جاء في حديث البراء اللهم إني وجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك...) الحديث .
فإذا استيقظ بعدما أخذ حظه من النوم فيدعو بما ورد ومنه الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور
وإن كان استيقاظه بسبب فزع وخوف فيقول ما ورد في حديث ( إذا فزع أحدكم في النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره)
وإن تعار من الليل والتعار أن يستيقظ مع كلام وصوت فيسن أن يقول ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد الله وسبحان الله ولا إله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله )) ثم يقول : اللهم اغفر لي فهذا إن دعا استجيب له ، إن صلى قُبِلَتْ صلاته » كما جاء في الحديث.
ثم إذا كان قد رأى في منامه رؤيا تسره فليحمد الله وليبشر بها من يحب والرؤيا الحسنة يتفاءل بها صاحبها ويسر بها لكنها لا تغره فالعبرة بالثبات على الحق وكم من شخص رؤيت له منامات صالحة أو رآها لنفسه ثم نكس على راسه فارتد بعد إسلامه أو ابتدع بهد استقامته أو فجَر وفسق بعد صلاحه..
وإن رأى ما يسوءه فليستعذ بالله منها وليتوضأ ويصلي ركعتين ويغير الجنب الذي كان نائما عليه ولا يخبر بها أحداً ولا يتطلب لها تأويلا فإنها لا تضره بإذن الله
وقد حصل عند كثير من الناس ولا سيما النساء في هذا الزمن مبالغة كبيرة في تتبع مفسري الرؤى والمنامات ففتحوا على أنفسهم أبوابً من الشرور والفتن والعياذ بالله.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ...
الخطبة الثانية
أما بعد:
فبعد أن سمعنا جملة من الأحكام والاداب التي تسبق النوم وتعقبه أشير إلى جملة متفرقة من الأحكام والاداب أيضاً
فمنها مشروعية التبكير بالنوم بعد العشاء وترك السهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره السهر بعد العشاء إلا لمصلحة..
ومنها كراهة النوم قبل العشاء لأنه يؤدي إلى تفويت صلاة العشاء .. وقل مثل ذلك النوم قبيل العصر إذا كان يعلم من نفسه أنه لن يقوم لصلاة العصر مع الجماعة أو اذا علمت المرأة أنها لن تقوم إلا بعد خروج الوقت.
ومن أحكامه وجوب التفريق بين الأولاد في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين لأن نومهم على فراش واحد في تلك السن مظنة للفساد وحدوث ما لا تحمد عقباه..
ومنها مشروعية الاستنشاق ثلاثا إذا استيقظ من نومه فإن الشيطان يبيت على خيشومه ..
ومنها أن الشيطان يعقد ثلاث عقد على قافية العبد إذا هو نام حتى يثبطه عن الصلاة فإذا أوقظ للصلاة وجد ثقلاً شديداً فإذا ذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت عقدة وإذا صلى انحلت عقدة فلا يقولن لنفسه لن أستطيع القيام الى الصلاة بسبب غلبة النوم بل متى ما استعان بالله وذكر الله أعانه الله على شيطانه..
ومنها مشروعية استعمال السواك عند القيام من النوم لفعله صلى الله عليه وسلم .
ومنها اجتناب النوم في الاماكن الخطرة كالنوم على سطح ليس له حاجز يقيه من السقوط فيما لو تقلب في نومه وكذا نوم الطفل على وجه الخصوص على سرير عال بدون وضع وقايات تمنعه من السقوط ومنها النوم في بطون الأوديه والطرقات فيعرض نفسه للهلاك بسيل مفاجي أو دابة أو سيارة
ومنا أنه إذا جامع أهله فأراد أن ينام فالسنة المؤكدة في حقه أن يغسل فرجه ويتوضا ثم ينام ويكره ان ينام على غير وضوء
أيها الإخوة
هذه بعض أحكام النوم وأدابه فما أحسن هذه الشريعة وما أكملها وما أتمهما وما أعظم تقصيرنا في تعلمها والعمل بها
أيها الإخوة:
إن المقصود من التذكير بهذه الأحكام هو أن نتفقه في ديننا وأن نعمل به قدر الاستطاعة وأن نربي أبناءنا وأهالينا على هذه الأحكام حتى تكون خيراً لنا ولهم في الدنيا والاخرة.
اللهم فقهنا في دينك وارزقنا العمل به على الوجه الذي يرضيك عنا اللهم اجعلنا ممن يحرص ابتاع مرضاتك في يقظته وعند نومه وعند انتباهه برحمتك يا أرحم الراحمين.
معاشر المؤمنين :