العنوان : كيف يُحكى الخلاف في المسألة “من درر شيخ الإسلام ابن تيمية”
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مستنبطاً من قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22].
” اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا؛ فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا: {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا} أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجْم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف؛
- أن تُستوعب الأقوال في ذلك المقام،
- وأن ينبه على الصحيح منها،
- ويبطل الباطل،
- وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم.
فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا
فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمّد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظًا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثّر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور. والله الموفق للصواب”.
مقدمة في أصول التفسير (ص: 43)
جزاك الله خير وبارك الله فيك
شكر الله لكم شيخنا المفيد