العنوان : مواقف مبكية عند البيت الحرام
قبل عامين وأنا في طواف الإفاضة مرت بجواري نسوة عربيات فكن يطفن وينظرن للبيت الحرام ويقلن باكيات (ارحمنا يا بيت الله) (اقبل منا يا بيت الله) وكان الزحام شديدا لم يمكني إلا أن اقول لهن (اطلبوا من رب البيت) ثم باعدت بيننا الأمواج البشرية..
وفي حج هذا العام في سعي الحج مر بجواري شيخ كبير وهو يردد بصوت مسموع (المدد يا رسول الله) فقلت له يا والد (اطلب المدد من الله) فالله يقول (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) فغضب واحمر وجهه وقال بصوت عال غاضب هذا حبيب الله هذا القائد الأعلى للأمة فقلت نحبه صلى الله عليه وسلم ونوقره ونطيعه ولكن لا ندعوه لأنه لا يرضى بدعائنا إياه فهو الذي يأمرنا أن ندعو الله وحده وينهانا أن ندعو غيره فلم يأبه بما قلت وأصر على كلمته لكنه أخذ مرة يقول المدد يا الله ومرة يقول المدد يا رسول الله ومضى في حال سبيله ..
ورأيت عائلة من هذه البلاد قبل سنوات قريبا من الصفا رأوا رجلا يتمسح بأحجار الصفا ثم يمسح بها وجهه وصدره ففعلت العائلة مثله الأب والأبناء والنسوة فسلمت على الأب وقلت له : هل الرسول صلى الله عليه وسلم فعل مثلما فعلت الآن فقال والله يا ولدي أنا جاهل ما أعرف شيء لكن رايت رجل مسح فمسحت مثله فقلت له هذا ليس بعذر لك عند الله فأنت ما تأخذ الدواء الا بكلام الطبيب ولا تصلح السيارة الا بكلام المهندس فكذلك لا تأخذ دينك الا بسؤال اهل العلم الذين يعرفون الكتاب والسنة وقلت له مسؤوليتك كبيرة لأن زوجتك وأولادك وبناتك كلهم يقلدونك ..فدعا بخير وطلبت منه يبلغ أهله أن هذا لا يجوز ولا يحل لهم تكراره وأن من تمسح بها يرجو البركة منها فهذا شرك اكبر وإن اعتقد أنها سبب في البركة فهذا بدعة ..
إنها مظاهر وحوادث يتقطع لها القلب أسفا ويذوب لها كمدا ولم لا ونحن نرى هؤلاء على كبر السن واقتراب الأجل وهم يجهرون بكلمة الشرك ظانين أنهم يحسنون صنعا..
إن هذه المظاهر توجب على الدعاة أن يبذلوا غاية الجهد في شرح حقيقة التوحيد وبيان ما يضاده بكل سبيل ممكن عن طريق الدرس والموعظة وخطبة الجمعة والكتابة والبرامج الإعلامية في وسائل الإعلام والاتصال باختلاف أنواعها.
فهذا المجال خير لهم وللأمة من الانغماس والاستغراق في العمل (السياسي الإسلامي) كما يقال ، وخير من استغراق الوقت في بيان فضائل الأعمال ومكارم الاخلاق مع غض الطرف تماما عن التوحيد والشرك في العبادة.
فيا أيها الدعاة انصحوا لأمتكم ولا تغشوهم وأي غش أعظم من ان يرى الداعية مظاهر الشرك الأكبر بين أهله وقومه فلا يحذرهم ولا ينهاهم اين هذا الصنف من الدعاة من محمد صلى الله عليه وسلم والنبيين من قبله الذين واجهوا أقوامهم بكل صراحة وشجاعة قائلين (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).
إن منصب القيادة لا يغني عند الله إذا كانت عقيد القائد فاسدة وصاحب الخلق الحسن مع الناس لا ينفعه حسن خلقه عند الله إذا لقيه يدعو غيره (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين).
فوجهوا عنايتكم وجل اهتمامكم إلى هذا الأصل الأصيل والقاعدة التي تبنى عليها سائر شعب الدين والإيمان كما هي طريقة الرسل الذين هم القدوة الكبرى للدعاة إلى الله وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 25] وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل : 36] فالسعيد الموفق من سلك سبيلهم والمخذول المحروم من اتخذ له سبيلا آخر فهو لا يرفع بالتوحيد رأسا ولا يلقي له بالا والعياذ بالله.