جديد الإعلانات :

العنوان : مقالات نافعة في التوسل … 4/5

عدد الزيارات : 1614

 

 (( شبهات والجواب عليها )) 

يستدل المجيزون للتوسل البدعي بأدلة وهي لا تخلو إما أن تكون صحيحة ولكن الاستدلال بها باطل وإما أن تكون دالة على المقصود ولكنها غير صحيحة.

وإليك هذه الأدلة مع بيان وجه بطلان الاستدلال بها :

1- حديث استسقاء عمر بالعباس ؛؛ حيث قال عمر (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون) رواه البخاري[1] .

الجواب: هذا حديث صحيح لكن ليس فيه دليل على جواز التوسل بذوات الصالحين ولا بحقهم ولا بجاههم وإنما هو من التوسل بدعاء الصالحين وهو توسل مشروع.

فقوله (كنا نتوسل إليك بنبينا) أي كنا نسأله أن يستسقي لنا فيدعو فتنزل علينا الغيث هذا كان في حياته صلى الله عليه وسلم ومن أمثلته حديث أنس رضي الله عنه حين سأل رجل رسول الله وهو يخطب الجمعة أن يستسقي للناس فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه ودعا ربه فأغاث الله عباده فلما مات صلى الله عليه وسلم طلبوا الدعاء من عمه العباس لصلاحه ولمكانه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو كان التوسل بالذات أو بالحق أو بالجاه لما كان لتركهم له معنى لأن جاه النبي صلى الله عليه و سلم لا يزول بالموت ولأنه لا نسبة بين جاه العباس رضي الله عنه عند الله مع جاه النبي صلى الله عليه وسلم. فلو كان طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته سائغاً لما عدلوا عنه أبداً.

وقولهم توسله بالعباس من باب بيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل يقال هذا قد يقبل لو أن عمر توسل بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد موته مرة وبدعاء العباس مرة وأين الدليل على هذا ؟ 

ثم إن المقام مقام بأساء وضراء فيتعلق فيه بأقوى الأسباب لا بما دون ذلك ، وليس هو مقام سعة حتى يكون محلاً لبيان الجواز.

ثم قد وردت رواية تقضي بأن العباس دعا الله فكان التوسل به أي بطلب الدعاء منه فإنه دعا ذلك اليوم فقال : (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس) نقله الحافظ ابن حجر في الفتح عن الأنساب للزبير بن بكار[2].

2- حديث الضرير ؛؛ فقد أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى فقال ادع الله أن يعافيني قال إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير فقال ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم فشفعه في وشفعني فيه قال ففعل الرجل فبرأ . رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي حسن صحيح غريب [3]. 

وهذا الحديث ليس فيه حجة على التوسل بالذات وإنما هو من جنس الذي قبله من التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحد التوسلات المشروعة . فقد قال الضرير للرسول صلى الله عليه وسلم (ادع الله أن يعافيني) وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ) قال الضرير( فادع ) .

ثم إن قوله ( اللهم فشفعه ) أي اقبل شفاعته لي عندك والشفاعة لا تكون إلا بطلب وسؤال وقوله (وشفعني فيه) اقبل دعائي في أن تستجيب لنبيك إذا شفع في عندك . وإذا كانت شفاعة الضرير الدعاء فكذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له هي بالدعاء له.

أما زيادة ( وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك أو فعل مثل ذلك ) فقد عزاها شيخ الإسلام ابن تيمية لأبي بكر بن أبي خيثمة في تاريخه وهي معلولة لتفرد حماد بن سلمة بها ومخالفته لشعبة وروح بن عبادة وهما أحفظ من حماد بن سلمة ، وقد تكون مدرجة من كلام عثمان لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والاعتبار بما رواه الصحابي لا بما فهمه إذا كان اللفظ الذي رواه لا يدل على ما فهمه بل على خلافه [4].

وأما القصة التي وقعت لرجل مع أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ودلالة عثمان بن حنيف له أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لتقضى حاجته فقد أخرجها الطبراني في الكبير[5]

وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله (ضعيفة منكرة) وأعلها بثلاث علل :

ضعف حفظ المتفرد بها – وهو شبيب بن سعيد ، والاختلاف عليه فيها ، ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث[6]

3- حديث (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا ..) الحديث ؛ فالجواب عنه من وجهين :

الأول : ضعف الحديث لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال الذهبي (مجمع على ضعفه) وقال الحافظ ابن حجر (صدوق يخطئ كثيراً كان شيعياً مدلساً)[7]

والتدليس الذي وصف به من أخبث أنواع التدليس حيث كان يقول حدثني أبو سعيد فيظن السامع أنه يعني أبا سعيد الخدري وهو قد يعني به محمد بن السائب الكلبي أحد الكذابين والعياذ بالله.

الوجه الثاني: على فرض ثبوت الحديث فغاية ما فيه التوسل إلى الله بحق السائلين وحقهم الذي جعله الله حقاً على نسفه إجابة دعوتهم وإثابتهم على أعمالهم الصالحة وإجابة الدعاء صفة من صفاته سبحانه فهو إذن توسل بصفة من صفات الله تعالى والتوسل بالصفات توسل مشروع كما تقدم. وهكذا قل في كل حديث يروى فيه التوسل بحق السائلين أو بحق العمل الصالح إن ثبت.

وللحديث بقية إن شاء الله ؛؛

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

علي بن يحيى الحدادي

الرياض

_________________________________

[1] – رواه البخاري 1/342ح964.

[2] – الفتح 2/497

[3] – أحمد (4/138) والترمذي (5/569)

[4] – انظر قاعدة جليلة 196-199

[5] – معجم الطبراني الكبير (9/17-18)

[6] – انظر  التوسل ص 88.

[7] – تقريب التهذيب 2/24

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *