موقع د. علي بن يحيى الحدادي

أما بعد:

فإن الله تعالى فاوت بحكمته بين الأشهر وخص بعضها بما ليس في غيره وإن شهر شعبان من الأشهر التي ينبغي أن يعتني بها المسلم ويتفقه في جملة من الأحكام المتعلقة به

ومنها أنه يشرع لمن كان عليه قضاء من رمضان الفائت أن يبادر إلى القضاء في هذا الشهر فإنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان من غير عذر ومن أخر القضاء من غير عذر من رجل أو امرأة حتى دخل رمضان فعليه مع القضاء الكفارة وهي إطعام مسكين عن كل يوم.

ومنها أنه يشرع للمسلم أن يكثر من الصيام في هذا الشهر تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم فـإنه كان يصوم شعبان كله أو أكثره عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان. رواه البخاري ومسلم.

و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ولا يفطر حتى نقول ما في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطر العام ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول ما في نفسه أن يصوم العام وكان أحب الصوم إليه في شعبان  رواه أحمد.

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان ، رواه الترمذي وقال حديث حسن. font>

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان لقول عائشة في رواية مسلم (كان يصوم شعبان إلا قليلاً ). فتحمل الأحاديث التي يدل ظاهرها على صيامه شعبان كله أي على صيام أكثره.

ثم إن أهل العلم اجتهدوا في البحث عن سبب إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان وأصح الأقوال في ذلك ما جاء مصرحاً به في الحديث الذي رواه ابن خزيمة وصححه من حديث أسامة بن زيد  قال ” قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم “.

ومن الحكم التي استنبطها بعض أهل العلم أن صيامه يكون كالتمهيد والتدريب لصوم رمضان حتى لا يثقل عليه بل متى أكثر الصوم في شعبان دخل رمضان وقد اعتاد الصيام وسهل عليه بخلاف من بعد عهده بالصوم فـإنه يتعب في رمضان ولا سيما في أوله فكيف إذا كان رمضان في صيف حار ونهار طويل

ومنها أن صيامه بمنزلة السنة القبلية بين يدي رمضان كالسنن القبلية التي تكون بين يدي الصلاة المفروضة.

ومن الـأحكام المتعلقة بهذا الشهر أنه لا يجوز للمسلم أن يصوم في أخره أعني قبل رمضان بيوم أو يومين إلا من كان له صوم يعتاده كمن يصوم الاثني والخميس أو من كان عليه قضاء او اعتاد أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) متفق عليه.

أسأل الله أن يفقهنا في دينه وأن ييسر لنا الأعمال الصالحة وأن يعيننا عليها وأن يتقبلها منا إنه جواد كريم

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل >نب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

أما بعد:

فإن من المسائل المتعلقة بشهر شعبان مسألة ليلة النصف منه فمن الناس من يروي الأحاديث في فضلها وفي مشروعيتها قيامها فرادى وجماعات وفي تخصيصها بأدعية خاصة

أما ما يتعلق بفضيلة تلك الليلة فقد ورد فيه عدد من الأحاديث عن جمع من الصحابة أن الله يطلع على عباده فيها فيغفر لهم إلا لمشرك أو من كانت بينه وبين أخيه شحناء وكل أسانيد هذه الأحاديث لا تخلو من ضعف لذا ردها كثير من أهل العلم ومنهم من حكم لها بالقبول بالنظر لمجموع الطرق.

وأما ما يتعلق بمشروعية تخصيصها بصلاة وقيام جماعي أو فردي فهذا لا أصل له ولا دليل عليه بل هو من البدع المحدثة التي وجدت في الأمة من قديم ولكن أنكرها أهل العلم فإن العبادات توقيفية لا يشرع منها شيء إلا بدليل وإلا كانت بدعة محدثة يستحق صاحبها الوعيد الشديد في قوله صلى الله عليه وسلم (وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).

وكذا تخصيصها بدعاء ومنه المسمى بدعاء النصف من شعبان ايضا لا دليل عليه وتخصيص العبادة بسبب أو زمن أو مكان بدون دليل يجعلها من البدع المحدثة الضلالة والعياذ بالله.

فمن كان معتاداً القيام وصادفته ليلة النصف من شعبان قام وصلى كما كان معتاداً ومن كان يصوم البيض من كل شهر وصادفه النصف من شعبان فصامه لأجل عادته فلا حرج عليه إنما المحظور الممنوع أن يقصد بصيامه يوم النصف أو يقصد بقيامه ودعائه ليلة النصف.

ولا زال علماء السنة يحذرون مما أحدثه الناس في هذا اليوم ومنهم على سبيل المثال ابن رجب وابن باز وابن عثيمين غفر الله لهم ونفعنا بعلومهم فاحذروا البدع والمحدثات فإنها لا تزيد العبد من ربه إلا بعدا ولا من النار إلا قربا..