العنوان : النهي عن السخرية والتنابز بالألقاب وسوء الظن وأخلاق أخرى
أما بعد:
فإن الله تعالى أنزل علينا كتابه الكريم يدعونا فيه للخير الذي ينفعنا في العاجل والأجل وينهانا عن الشر الذي يضرنا في العاجل والأجل ، وإن مما حذرنا الله منه ونهانا عنه جملة من الأخلاق القبيحة الخبيثة التي تنفر عنها الفطر السليمة والأذواق المستقيمة ولولم تتشرف بالانتساب الى الدين الحق دين الإسلام.
من تلك الأخلاق المذمومة ما جاء النهي عنه في سياق واحد في سورة الحجرات وأولها السخرية بالمسلمين والمسلمات وتنقصهم وازدراؤهم بسبب لون أو جنس أو فقر أو عيب أو نقص فما يدريك يا عبد الله لعل هذا الذي تزدريه وتسخر منه خير من ملئ الارض من أمثالك عند الله.
ولو تأملت لوجدت الساخرين أنقص ممن يسخرون بهم في الغالب الأعم لأن هذا الساخر المستهزئ لو كان معظما لله حق التعظيم لما سخر من أخيه ولما سخرت المرأة من أختها والله ينهى عن هذا السلوك ويزجر عنه في محكم كتابه.
ومن الأخلاق المذمومة اللمز وهو الأذية بالقول ولو كانت أذية حقيرة صغيرة في نظرك فإن العدوان على الأخرين بغير حق ديوان مبني على القصاص يوم القيامة فمن مات ولم يتحلل ممن أذاه كان القصاص يوم القيامة بالحسنات والسيئات والعياذ بالله فلمَ تنفق حسناتك على غيرك وأنت أحوج ما تكون إليها ولمَ تتحمل أوزار غير وأنت قد ناء ظهرك بأوزار نفسك.
وما أحسن الأسلوب القرأني حيث قال تعالى (ولا تلمزوا أنفسكم) أي لا تلمزوا إخوانكم ولكن عبر بالأنفس تنبيها على أن أخاك في الدين هو بمنزلة نفسك ينبغي أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك وتعامله بمثل ما تحب أن يعاملك به
ومن الأخلاق المذمومة التنابز بالألقاب السيئة التي تحمل أوصاف الذم والنقص وتدخل الحرج الكبير على نفس أخيك لما تجره من العداوات والفرقة والاختلاف والشقاق والشحناء والتدابر.
لكن لا باس بذكر الرجل بلقبه الذي اشتهر به ولو كان يحمل صفة نقص إذا كان بقصد تعريفه وكان ذلك اللقب لا يؤذي الملقب به بل يحتمله ويرضاه.
ثم بين سبحانه أن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة ليست من شأن أهل الإيمان الكامل وإنما من سلوك أهل الفسوق والعصيان والعياذ بالله.
ولما كان العبد لا يخلو عن الذنب والتقصير والخلل فقد دعاه مولاه الكريم الرحيم إلى التوبة والإنابة حتى لا يلقى ربه ظالماً مجرماً فيخسر كثيراً من حسناته أو ينوء بكثير من سيئات من ظلمهم واعتدى عليهم بقوله أو فعله.
ومن الأخلاق المذمومة كثرة ظن السوء بالناس لأن من الظنون ما يحمل الظان على العدوان على أخيه وعلى إساءة معاملته وقد يكون له ظالما وعليه متحاملاً والظلم ظلمات يوم القيامة.
إن الظن منه ما يكون له قرائن وأمارات ودلائل فهذا من الظن القليل المصيب
ومن الظن مالا يكون له أساس إلا الوساوس والتوهم والحسد والبغض والعداوة فليحذر المسلم من التعامل مع الناس على أن ظنه فيهم لا يخيب وشكه فيهم لا يتخلف ولا سيما في تعامله مع زوجه وأهله وأقاربه وأصدقائه وما أحسن ما قال عمر رضي الله عنه (ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا)
إن من الناس من يهجر أخاه ومن الناس من يطلق زوجته بسبب ظن كان يظن صدقه ، ثم تتكشف له الحقائق وإذا هو قد بنى كل تلك القرارت الخطيرة على أوهام ووساوس لا حقيقة لها.
ومن الأخلاق المذمومة التجسس على عورات المسلمين والتلصص على أسرارهم وهتك أستارهم وقد جاءت السنة مؤكدة لهذا النهي ففي صحيح مسلم عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تهاجروا و لا تدابروا و لا تجسسوا و لا يبع بعضكم على بيع بعض و كونوا عباد الله إخوانا) .
وعن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته. رواه أبو داود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنُك يوم القيامة) رواه البخاري والأنك الرصاص المذاب والعياذ بالله.
وعن زيد بن وهب قال أُتي ابن مسعود فقيل هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يَظهر لنا شيء نأخذ به. رواه أبو داود.
وهنا نذكر كثيرا من شبابنا الذي جعلوا من التجسس على أسرار الناس في مواقعهم وبريدهم على شبكة النت واختراقها متعة يتسلون بها وبطولة يتفاخرون بها أن يتقوا الله ويراقبوه حتى لا يهتك الله استارهم وحتى لا يفضحهم الله في الدنيا وفي عرصات القيامة فإنه ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه يقال هذه غدرة فلان بن فلان والعياذ بالله.
إن هذا العدوان لا يصح أن يكون مع كافر فكيف يرضى مسلم لنفسه أن يتلصص على أسرار إخوانه من المسلمين وخصوصياتهم.
فليت هؤلاء الشباب وأمثالهم يوجهون طاقاتهم وخبراتهم فيما ينفع أنفسهم وينفع أمتهم من تطوير البرامج المفيدة أو ابتكار ما الناس بحاجة إليه منها لتيسير أمور دينهم أو دنياهم.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
ومن الصفات الذميمة التي نهى الله عنه في هذه الأيات الكريمة في سورة الحجرات الغيبة وهي أن تذكر أخاك في غيبته بما يكره وقد شبهها الله بأكل الإنسان من لحم أخيه وحبيبه بعد موته ونتنه أي فكما تعافون الأكل منه وتنفرون عنه فكذلك اجتنبوا الغيبة وابتعدوا عنها فإنها شر من أكل لحم أخيك الميت.
فليتق الله من لا يهنأ له بال ولا يطيب له مجلس إلا إذا ولغ في أعراض الناس ذماً وتنقصاً بغير مسوغ من الشرع، يشجعه ويجرئه على التمادي ما يرى من سكوت جلسائه عنه بل رضاهم به وضحكهم على ما يتفوه به إعجاباً وسروراً وما هم إلإ شركاء له في الغيبة والإثم والذنب إلا أن يشاء الله كمن كان كارهاً ولا يستطيع الإنكار ولا مفارقة المجلس.
وأختم الخطبة بتلاوة الأيات الكريمة التي اشتملت على ههذا التوجيهات الربانية لعل الله أن ينفعنا بها ويحيى بها موات قلوبنا يقول تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) [الحجرات : 12] [الحجرات : 11]
معاشر المؤمنين …
شكرا على مساعدتك في التعبير