العنوان : من أدلة الكتاب والسنة على تحريم الغناء
أما بعد:
فإن الله تعالى جعل القلب ملك الجوارح إذا صلح صلح الجسد فاستقام على أمر الله كما أمر الله بفعل طاعته واجتناب معصيته ، وإذا فسد القلب فسد الجسد فانحرف عن أمر الله إلى أمر الشيطان وسبله، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
لذا كان من أوجب الواجبات العناية بأمر القلوب وإصلاحها وذلك بالإيمان والعمل الصالح، وتجنيبها أسباب الفساد والأمراض فإن القلوب تمرض كما يمرض البدن بل أشد ومن أمراضه الشرك والكفر، والنفاق والفسوق، والعصيان والأهواء..
فحياة القلب وصلاحه في قربه من ربه والمداومة على ذكره وتلاوة آياته والتفقه فيها والعمل بها ومرض القلب وموته في بعده عن ذكر ربه وغفلته عنه ومداومته على معصيته.
لذا كان إبليس وجنوده أحرص شيء على إبعاد قلوب العباد عن ربها وعن ذكره وكان من أعظم وسائلهم في تحقيق هذا الهدف إشغالهم بالغناء وآلات المعازف لأنها حجاب غليظ يحجب من تعلق بها عن الله وعن الطمأنينة بذكر الله، ولكونها باعثاً قوياً على جملة من الشرور من تضييع الصلاة وفعل الفواحش وارتكاب القبائح.
ولعظم خطره وشدة ضرره وسيء أثره جاء النهي عنه في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ونص جمهور العلماء سلفاً وخلفاً على ذمه وتحريمه، والنهي وتقبيحه.
قال الله تبارك وتعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ.
في هذه الآية الكريم يذم الله من آثر لهو الحديث وانشغل به وأشغل به لأن عاقبته الصد والإضلال عن سبيل الله وقد فسر لهو الحديث _ بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن هم من أعلم الصحابة بالقرآن وأشهرهم عناية به_ فسروه بالغناء فعن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية “ومن الناس” فقال عبد الله بن مسعود: الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات.
وقد صح تفسير الآية بذلك عن ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن وكذا صح عن ابن عمر رضي الله عنهم جميعاً.
ووافقهم أئمة التفسير ممن جاء بعدهم كعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران والحسن البصري وغيرهم .
وقال تعالى عن عباد الرحمن (والذين لا يشهدون الزور) فمدحهم بهذه الصفة الطيبة الطاهرة وهي اجتنابهم مجالس الزور والزور كل ما مال عن الحق إلى الباطل لذا فسرها محمد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب بالغناء وروي عن مجاهد مثل ذلك.
وأما السنة النبوية فقد ثبت تحريم العناء وآلات المعازف فيها في عدد من الأحاديث فعن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علَم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم _ يعني الفقير _ لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلَم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة قال ابن تيمية : رواه البخاري في صحيحه ” تعليقا مجزوما به داخلا في شرطه “
وفي هذا الحديث الصحيح إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الغيب مما أطلعه الله عليه وهو وجود أناس من أمته يستحلون الزنا ولبس الحرير وشرب الخمر وسماع المعازف فيمسخهم الله قردة وخنازير ، وتأمل قوله صلى اله عليه وسلم (يستحلون) فإن الاستحلال لا يكون إلا لشيء محرم.
وقريب منه ما جاء في حديث عمران بن حصين أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذاك ؟ قال إذا ظهرت القينات والمعارف وشربت الخمور) رواه الترمذي وصححه الألباني والمقصود بالقينات: المغنيات.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة أخرجه البزار في مسنده وصححه الألباني.
وعن جابر بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أنه عن البكاء ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوتٍ عند نعمة لهوٍ ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان أخرجه الحاكم والبيهقي
ففي هذين الحديثين ذم المعازف والحكم عليها بأنها ملعونه . ووصفها بالحمق والفجور وإضافتها إلى الشيطان فبئس الحكم وبئس الوصف وبئست الإضافة.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم علي – أو حرم – الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام. أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد في ” المسند قال سفيان : قلت لعلي بن بَذيمة [بفتح الباء]: ” ما الكوبة ؟ ” قال : الطبل
وكلام السلف في ذمه والنهي عنه والتصريح بحرمته والتذكير بسوء آثاره كثير جداً فعن عبد الله بن مسعود أنه قال : الغناء ينبت النفاق في القلب .. وسئل مالك بن أنس عن الغناء فقال (إنما يفعله الفساق عندنا) وسئل إبراهيم بن المنذر فقيل له أنتم ترخصون في الغناء فقال معاذ الله (ما يفعل هذا عندنا في المدينة إلا الفساق)
والحنفية من أشد الناس في تحريم الغناء وكذا نص الشافعية على حرمته وكذا نص أحمد لما سئل عنه بأنه ينبت النفاق في القلب كما قال ابن مسعود.
والخلاصة أن الغناء حرام والمعازف حرام فعلى المسلم تقوى الله واجتناب استماعه لينجو مما توعد الله به أصحاب الغناء والمعازف من العقوبات العاجلة والآجلة والظاهرة والباطنة وحتى يلقى ربه بقلب نقي زكي سليم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن المسلم مأمور باتباع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع سبيل الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقد دلت الأدلة الصحيحة الصريحة _وقد سمعتم بعضاً منها_ على تحريم الغناء وتحريم المعازف وآلات الطرب فلا ينبغي للمسلم أن يلتبس عليه الأمر أو يتشكك في حكمه إذا سمع الأقوال الشاذة المخالفة للكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام ولو أورد مروجوها بعض الشبهات في صورة حجج وبينات فالحق أحق أن يتبع والشبه الموهمة لا تترك لأجلها الحجج البينة.
ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله..