العنوان : من آداب طالب العلم
من آداب طالب العلم
الخطبة الأولى
أما بعد:
إن لطالب العلم آداباً عظيمة جليلة ينبغي أن يتحلى بها وأن يرعاها حق الرعاية لأن العلم في الإسلام مرتبط بالعمل فما لم يكن العمل موافقاً للعلم أصبح العلم وبالاً على صاحبه وحجة عليه .
فمن آدابه: تقوى الله في السر والعلانية, فالتقوى والعلم مرتبطان وأعني به العلم النافع المثمر لأن مجرد جمع المعلومات ليس بعلم في ميزان الشرع والعالم غير العامل هو جاهل في حقيقة الأمر .
وقد بين سبحانه وتعالى الترابط بين العلم والتقوى في قوله تعالى { واتقوا الله , ويعلمكم الله } على أحد التفسيرين .
ويقول سبحانه { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً } أي يهبكم علماً ونوراً وبصيرة تفرقون به بين الحق والباطل . فتقوى الله من أعظم أسباب ثبات العلم وزيادته وحصول البركة فيه وفي صاحبه, يقول تعالى { والذين اهتدوا زادهم هدى } ويقول تعالى { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً. وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً. ولهديناهم صراطاً مستقيماً }
أما من تعلم ثم لم يتق الله ولم يعمل بما علمه الله فويل له ثم ويل له إن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة ومنهم رجل عالم ما تعلم وعلَّم إلا لأجل الدنيا وزهرتها, فلم يرد به وجه الله. نسأل الله السلامة والعافية .
ومن لم يمل بعلمه سلب العلم,ومحقت منه بركته, وارتد على عقبيه وهو على خطر عظيم يقول تعالى { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه }
فهذا مثال سيئ لطالب العلم الذي انسلخ من هدايات علمه فلم يمش على خطاها ولم يستهد بهداها فخسر الدنيا والآخرة .
وللسلف كلمات كثيرة في هذا الباب ومنها قول على ” هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ” وقول بعضهم ” من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم, ومن لم يعمل بما علم سلبه الله علم ما كان يعلم “
وهذا الشافعي يجلس بين يدي مالك بن أنس فيتوسم فيه النجابة ويقول له ” إني أرى الله قد ألقى بين عينيك نوراً من نوره فلا تطفئه بالمعصية “
فهذا أصل عظيم من أصول التربية العلمية في الإسلام فالإسلام ربط بين العلم والإيمان, والعلم والأخلاق, ربطاً محكماً حتى لا يكاد ينفك أحدها عن الآخر.
علامة الانتفاع بالعلم تقوى الله لا الحصول على الشهادات والوظائف
ما نفع العلم إذا كان لا يحمل صاحبه إلى هداية ولا يمنعه عن ضلاله . على كل مسلم أن يعي أن علمه إما أن يكون حجة له أو حجة عليه ولا ثالث لهما كما قال صلى الله عليه وسلم ” والقرآن حجة لك أو عليك ” فإن عملت بعلمك تريد وجه الله جاء القرآن يحاج عنك حتى يدخلك الجنة بإذن الله , وإن ضيعته وفرطت في حدوده جاء يوم القيامة يخاصمك عند الله ويكشف عن عيوبك وسوءاتك حتى يدعك إلى جهنم والعياذ بالله .
فهذا أول الآداب وأعظمها وكان عند سلفنا في العصور المباركة أمراً بدهياً تعارف عليه الكبار والصغار حتى النساء والأمهات . هذا سفيان الثوري حين أراد الخروج لطلب الحديث وهو صبي صغير قالت له أمه: يا بني إذا تعلمت عشرة أحاديث فانظر إن رأيت في نفسك زيادة تعني في الخير وإلا فلا تتعن .
وقال بعضهم: كان الرجل يتعلم الحديث فلا يلبث ثلاثة أيام حتى يعرف في هديه وسمته ونسكه .
ومن آداب طالب العلم: توقير معلمه وذلك بحسن الإنصات إليه إذا تكلم وحسن السؤال عما يشكل واجتناب ما يسيء إليه من سيئ الأقوال والأفعال والدعاء له سراً وجهراً , وكلما نقص أدب الطالب مع معلمه كلما أثر ذلك نقصاً في انتفاعه به .
ومن آداب طالب العلم: أن يختار الصحبة الطيبة التي تعينه على تقوى الله ومذاكرة العلم والتي تعينه على التحلي بمكارم الأخلاق فيذكرونه إذا نسي ويعلمونه إذا جهل ويقومونه إذا مال قال عليه الصلاة والسلام ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل “
ومن آداب طالب العلم: العناية بالوقت فيستغله فيما ينفعه إذ الوقت أعظم الكنوز وأثمنها فلا يبذله إلا فيما ينفع قال تعالى { والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } فأقسم الله بالزمان أن كل إنسان خاسر إلا من أغتنم زمانه بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر عليه .
ومن آداب طالب العلم: عنايته بكتبه ومذكراته لأنه يعلم أنها كتب علم محترمة فلا يمتهنها بعبث أو تقطيع أو رمي في المزابل أو يجعلها مقعداً يجلس عليه لا في أول العام ولا في آخره بل يحافظ عليها وإذا انتهت حاجته منها أعطاها لمن ينتفع بها أو سلمها لمدرسته .
ومن آداب طالب العلم: محافظته على المنافع العامة ومن ذلك مدرسته وما تشتمل عليه من الخدمات إنها لو كانت ملكك لما صلح أن تتلفها دون مسوغ لأنه من إضاعة المال والله كره لنا إضاعة المال , فكيف بمن يتلف ما هو منفعة مشتركة له ولغيره من بعده, أيها الطلاب اشكروا الله على ما أنتم فيه في هذه البلاد تدرسون بالمجان في مدارس مكتملة الخدمات والحمد لله. وإن عبثكم بها من كفران النعمة وإن كفران النعم من أسباب زوالها قال تعالى { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد }
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن آداب طالب العلم علو الهمة لاسيما في تحصيل الخير وإذا علت همته وعظم طموحه أورثه جداً ونشاطاً وحرصاً على العمر وبعداً عن سفاسف الأمور فتراه كبيراً على صغر سنه قوياً على طراوة جسده .
وإذا انحطت الهمة وتساوى عنده النجاح والفشل والحمد والذم والقمة والقاع أورثته خساسة الهمة مفاسد عظيمة ومنها إضاعة الزمان في اللهو واللعب والغفلة والنوم ومساوئ الأخلاق وحقيرها لا يسعى في إصلاح دين ولا دنيا وبئست تلك الحال من حال .
ومن آداب طالب العلم:
أن يكون أحرص ما يكون على لزوم السنة والحذر من البدعة, والسلامة من البدع يكون بعد توفيق الله بالتفقه في الدين على أيدي العلماء المعتبرين المعروفين بالرسوخ في علم الكتاب والسنة ومع الرجوع إلى أهل العلم فلا بد أن يصحب أهل السنة أتباع السلف الصالح وأن ينأى بنفسه عن صحبة أهل الأهواء والبدع والحزبيات المقيته والتي انتشرت في هذه العصور المتأخرة حتى لا يكاد يسلم منها بلد .
ومن آداب طالب العلم:
معرفته وتطبيقه لما أوجب الله عليه من الحقوق لولاة الأمر وذلك بالسمع والطاعة لهم بالمعروف وبذل النصيحة إليهم وعدم ذكرهم إلا بالخير فإن طالب العلم قدوة لغيره.
ومعرفته وتطبيقه لما أوجب الله عليه من الحقوق للعلماء الربانيين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون من توقيرهم والدعاء لهم والرجوع إليهم وعدم ذكرهم إلا بالجميل. فقد غلب الهوى في هذا الزمان وقل من يعرف حقوق العلماء والأمراء فحصل بسبب ذلك فساد كبير والله المستعان .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين …