جديد الإعلانات :

العنوان : أم المؤمنين حفصة بنت عمر

عدد الزيارات : 4011

لم يكن الله تعالى ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا خير النساء وأكملهن حتى يكنّ نعم السكن له، ونعم العون له في قيامه بمهمات الدعوة إلى الله وتبعاتها الجسيمة.
وحتى يكنّ من بعده منارات هدى يقتبس الناس منها علما وحكمة وحظاً طيباً مباركا من تراث محمد صلى الله عليه وسلم ولا سيما ذلك الجزء الذي يكون في البيت لا يطلع عليه غالباً إلا أهل بيت الرجل وخاصته.
وإذا كان الله تعالى قد اختار له أن يتزوج ابنة الخليفة الأول من بعده أبي بكر فقد اختار له أيضا أن يتزوج ابنة الخليفة الثاني عمر فكانت ابنته حفصة من نصيب النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك نال الخليفتان شرف مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم لهما كما نال الخليفة الثالث والرابع شرف المصاهرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتزوج عثمان من ابنتيه رقية ثم أم كلثوم وتزوج علي فاطمة رضي الله عن الجميع.
أما أبوها فهو الفاروق عمر أمير المؤمنين المُحدّث الملهم الشهيد المبشر بالجنة فاتح العراق وفارس ومصر والشام ، وأمها زينب بنت مظعون القرشية الجمحية إحدى المهاجرات رضي الله عنها.
وعمها زيد بن الخطاب سابق عمر إلى الإسلام وإلى الشهادة وحامل راية المسلمين يوم اليمامة وكان عمر يقول (ما هبّت الصًّبا إلا وأنا أجد ريح زيد).
وخالها عثمان بن مظعون أحد سادات المسلمين أسلم وهاجر ومات بالمدينة سنة ثلاث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فشهده النبي صلى الله عليه وسلم وقبّله بعد موته ودموعه تسيل على خديه ورأته إحدى الصالحات في منامها وله عين تجري فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ذاك عمله)
أسلمت حفصة وتزوجت خنيس بن حذافة والذي وافته منيته بعد عزوة بدر شهيداً حميداً رضي الله عنه وكانت في زهرة شبابها تقارب العشرين عاماً. ولا شك أن فقد الزوج من أكبر المصائب التي تحل بالمرأة وهكذا الله يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء حتى يتميز من يصبر ويسلّم ومن يجزع ويسخط فيوفي الصابرين أجرهم بغير حساب.
ولما انقضت عدتها كان عمر رضي الله عنه وهو الأب الرحيم الشفيق الحريص على أمر ابنته يريد لها الخير ويبذل أسبابه ويسعى في ذلك جاهداً.
أدرك عمر أن المرأة لا يصلح أن تبقى بلا زوج كما أن الرجل لا يصلح أن يبقى بلا زوجة فأخذ يبحث لها عن الرجل الصالح فوقع اختياره على عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضها عليه ولكن عثمان أجابه بأنه بدا له أن لا يتزوج ذلك الوقت فوجد عليه أن فات ابنته رجل كعثمان خيراً وفضلاً.
ولكنه لم يكفّ عن البحث فلقي أبا بكر فعرض عليه أن يزوجه حفصة فسكت أبو بكر ولم يجبه بشيء فوجد عليه أكثر مما وجد على عثمان.
وبعد ليال يسيرة جاء الله بالفرج وأتى من النصيب ما لعله لم يكن في حسبان حفصة ولا أبيها لقد جاء سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم يخطبها فزوجه عمر وصارت حفصة بذلك أما للمؤمنين.
ولما تم ذلك اعتذر أبو بكر لعمر قائلاً: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا . قال عمر قلت نعم . قال أبو بكر فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أنى كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها .
فأين الآباء الذين يعضلون بناتهم اليوم عن الأكفاء رضوخاً لعادات وتقاليد فاسدة، أو طمعاً في مال يناله من راتب ابنته، أو احتقاراً واستهانة بشأنها فلا يبالي بها وبمصلحتها ومستقبلها ومشاعرها؟
أين هم من عمر الذي أخذ بنفسه يبحث لابنته عن الكفؤ ويعرضها مرة بعد مرة على خيار الناس وكرامهم.
وأين الأصدقاء والإخوة والزملاء من أخلاق أبي بكر مع أخيه عمر حيث أخذ يعتذر إليه مما عسى أن يكون قد وقع في نفسه تطييباً لخاطره وإزالة لما قد يكون علق به بسبب الطبع البشري حرصاً من أبي بكر على صفاء القلوب وخلوص المودة وقطعاً للطريق على الشيطان حتى لا يكون له مدخل ليفسد ما بينهما من المودة والمحبة في الله تعالى.
وكان في خطبته لها وزواجه منها صلى الله عليه وسلم بتوفيق الله مصالح كثيرة ومن تلك المصالح:
أنه يأتي كالمكافأة لها على حسن بلائها وهجرتها إلى الله ورسوله، وجبراً لمصابها في فقد زوجها شهيدا في مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن فيه تطييباً لقلب عمر صاحبه ووزيره وتوثيقاً لرباط الأواصر بينهما ورفعة من شأنه أن تكون ابنته تحت النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو تأملنا زيجات النبي صلى الله عليه وسلم لوجدناها كذلك تنطوي على حكم بالغة ومقاصد عظيمة فلم يكن الأمر منحصراً في مسألة قضاء الوطر ولذا لم يكن في زوجاته بكراً غير عائشة رضي الله عن الجميع ولو كان إنما يقصد ذلك فقط لكن له شأن آخر صلوات الله وسلامه عليه.
ولحكمة بالغة تخللت حياة حفصة مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المنغصات وصل معها الحد إلى أن طلقها النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أن الطلاق شديد الوطأة على نفس الزوجة وعلى أبويها فكيف إذا كان المطلق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أن الأمر إذاً شديد الوقع وهذا ما جرى لعمر رضي الله عنه فلما سمع عمر دخل عليها وهي تبكي فقال لها : و ما يبكيك ؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك ، إنه كان طلقك مرة ، ثم راجعك من أجلي ، والله لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا ” .
ولما كانت حفصة من المتعرفات على الله في الرخاء تعرف الله عليها في الشدة ولطف بها فأرسل جبريل إلى نبيه يأمره بمراجعتها منوها بكثرة صيامها في النهار وطول قيامها في الليل بل وأخبره بأنها زوجته في الجنة كما هي زوجته في الدنيا ففي الحديث أنه دخل عليها فقال لها (أتاني جبريل عليه السلام فقال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة).
وهذا يذكرنا بقصة نجاة يونس لما التقمه الحوت وقول الله تعالى في شأنه (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) وفي الحديث (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)
كما يحسن التنبيه إلى أن الطلاق وإن كان فيه شر من حيث تهدم بناء الأسرة وتعريض الأولاد للشتات والضياع وتعريض المرأة المطلقة للبقاء دون زواج إلى غير ذلك من المفاسد إلا أنه قد يكون في حالات كثيرة هو الأحل الأفضل الأنسب للخلافات الزوجية التي تجعل من البيت تنورا لا تخمد ناره فتتلاشى كل معاني الاستقرار النفسي والسكن الروحي الذي قُصد الزواج من أجله فخير من تلك الحياة التعيسة فراق بإحسان ويرزق الله كلا من واسع فضله فتشريع الطلاق من محاسن الشريعة الإسلامية التي أذنت فيه لكن أحاطته بجملة من الأحكام التي تهدف إلى جعله علاجاً أخيراً للمشكلات الأسرية والتي تهدف إلى تقليل حالاته ما أمكن والتي تضمن أيضا خط الرجعة لاستئناف الحياة الزوجية مرة ثانية ومرة ثالثة.
نعود إلى شان حفصة رضي الله عنها بعد هذا الاستطراد النافع عن شاء الله فأقول لقد ساهمت رضي الله عنها في نقل جملة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما مما يفعله داخل بيته ولا يكاد يطلع غير اهله فنقلت عنه صلى الله عليه وسلم انه كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده وقال « رب قنى عذابك يوم تبعث عبادك » ثلاثا.
ولما خفي على ابن عمر هديه صلى الله عليه وسلم في راتبة الفجر سألها فأخبرته أنه كان يصلي ركعتين بعد أن يسمع النداء للصلاة.
وكانت رضي الله عنها ذات فهم ووعي تسأل عما يشكل والسؤال مفتاح العلم فلما سمعت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بدر واهل الشجرة انهم لا يدخلون النار أشكلت هذه البشارة عليها إذ رات فيها معارضة لآية الورود على النار في قوله تعالى (وإن منكم إلا واردها) فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأجابها بما أزال استشكالها.
ولما حجت معه ورأت الناس قد حلوا من إحرامهم بعد أن طافوا وسعوا ولم يحل هو عجبت فسألته عن السبب فأجابها بالمانع له من التحلل.
كما كانت باذلة للنصح والمشورة الصائبة فلما عرفت أن ابن عمر ربما أغضب ابن صياد (وكان يُظن أنه المسيح الدجال) نصحته باجتنابه وقالت أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه يخرج بعد غضبة يغضبها.
ولِما كانت تتمتع به من رجاحة العقل والحلم استودعها عمر رضي الله عنه المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه فبقي عندها محفوظا مصونا إلى أن لحقت بربها رضي الله عنها.
وبعد حياة حافلة بالإيمان والعمل الصالح والهجرة في سبيل الله والصبر على البلاء والقيام ببيت النبوة ونشر العلم وبذل الرأي والنصح لقيت وجه ربها راضية مرضية إن شاء الله سنة إحدى وأربعين في العام الذي جمع الله فيه شمل المسلمين بعد الفرقة التي ابتلوا بها بسبب قتل عثمان رضي الله عنها توفيت بالمدينة والنبوية وصلى عليها أمير المدينة آنذاك مروان ابن الحكم ودفنت بالبقيع
غفر الله لحفصة ورضي عنها ووفق فتيات الإسلام ليتخذن منها قدوة صالحة لهن في الإيمان والعمل الصالح آمين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *