العنوان : العمرة فضلها وصفتها وبعض المخالفات فيها
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن العمرة من أفضل القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه تعالى والعمرة زيارة البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة في يوم من السنة.
وهي واجبة في العمر مرة واحدة على الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل (وأن تحج البيت وتعتمر) رواه الدراقطني. ولقوله صلى الله عليه وسلم (حج عن أبيك واعتمر).
وورد في فضل العمرة أحاديث ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) متفق عليه.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
والعمرة في رمضان عظيمة الأجر قال صلى الله عليه وسلم (عمرة في رمضان تعدل حجة) وفي رواية (تعدل حجة معي) رواه مسلم.
وصفة العمرة أن يحرم بها من الميقات، ثم يطوف بالبيت سبعاً ثم يصلي ركعتين سنة الطواف، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم يحلق رأسه أو يقصر والحلق أفضل.
أما الإحرام فهو نية الدخول في النسك وقبل الإحرام يسن له أن يغتسل، وإذا كان محتاجاً إلى أخذ شيء من أظفاره أو شعر إبطه أو عانته أزاله وليس هو من خصائص الإحرام إنما يشرع عند الحاجة إليه، أما الاغتسال فسنة.
ثم يسن له أن يتطيب في بدنه ولا يطيب ثياب إحرامه. ثم يستحب للذكر أن يتجرد من المخيط قبل إحرامه أما إذا نوى الإحرام فليبادر إلى خلع ملابسه وجوباً ويلبس الإزار والرداء.
وإذا كان الوقت وقت صلاة مفروضة أدى الصلاة المفروضة ثم أحرم بعدها، وإذا لم يكن وقت صلاة فليس للإحرام سنة خاصة. فإذا تهيأ للسير نوى الدخول في النسك ولبى قائلاً (لبيك عمرة) ثم اشتغل بالتلبية المعروفة ويكثر منها ويرفع بها الرجل صوته، وبعض الناس يهملها ويشتغل في طريقه بكثرة القيل والقال.
وإذا دخل في الإحرام وجب عليه اجتناب محظوراته وهي حلق الشعر وتقليم الأظفار، وتغطية الذكر رأسه بملاصق ولبس الذكر للمخيط وهي الملابس التي تفصل على قدر البدن أو بعض أعضائه والمرأة تلبس ما شاءت من الملابس ما دامت ساترة وليست بثياب فتنة غير أنها لا تلبس القفازين ولا النقاب وتغطي وجهها عن الأجانب وجوباً بغير النقاب.
ومن محظورات الإحرام الطيب وقتل صيد البر وعقد النكاح والجماع والمباشرة وهي ملامسة المرأة بشهوة.
فإذا وصل مكة فالأفضل أن يبدأ بمناسك العمرة فيبدأ بالطواف، ويسن له في هذا الطواف سنتان الأولى الاضطباع وهي أن يكشف عن عاتقه الأيمن فيجعل وسط الرداء من تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على كتفه الأيسر من أول الطواف الى آخره .
والسنة الثانية : الرمل وهو الهرولة فوق المشي ودون السعي أي الجري . وذلك في الأشواط الثلاثة الأولى ثم يمشي.
ويبدأ الطواف من الحجر الأسود يشير إليه ويكبر وإن تمكن من تقبيله أو استلامه فهو أفضل .
وإذا بلغ الركن اليماني فإن تمكن من استلامه استلمه وإلا مضى ولا يشير إليه بتكبير ولا غيره فإذا جاوزه قال ( ربنا آتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )
والواجب عليه أن يطوف سبعة أشواط … وإذا شك فلم يدر كم طاف بنى على الأقل فإذا شك هل طاف خمسا أو ستا اعتبرها خمسا وهكذا ، وليس للأشواط ذكر معين بل يذكر الله ويدعوه بالأذكار الشرعية حسب ما يفتح الله به عليه .
والوضوء واجب للطواف على الصحيح ، وإذا أقيمت الصلاة وأنت في الطواف فتكمل الشوط من حيث انتهيت .
ولا يسن استلام مقام إبراهيم ولا التمسح به ، بل إذا فرغت من الطواف صليت ركعتين عند المقام جاعلا إياه بينك وبين الكعبة ، وإذا كان الزحام شديدا صليت الركعتين حيث تيسر لك تقرأ في الأولى بالكافرون وفي الثانية بسورة الإخلاص يعني بعد الفاتحة ولا يشرع الدعاء بعدها .
ثم تنطلق الى السعي مبتدئا بالصفا والسنة أن ترقى الصفا وتقول ما ورد وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات) رواه مسلم.
ثم تتجه ماشيا الى المروة فإذا وصلت العلم الأخضر فيسن للرجل السعي يعني الجري إلى العلم الأخضر وأما المرأة فتمشي لأنها مظنة التكشف والفتنة ، وإذا وصل المروة قال ما ورد من الأذكار الشرعية وهي التي تقدم ذكرها عن الصفا إلا الآية فلا يقرؤها، والسعي سبعة أشواط من الصفا الى المروة شوط ومن المروة الصفا شوط .
ثم يحلق شعره أو يقصره والحلق أفضل والتقصير يكون من جميع الرأس أما ما يفعله كثير من الناس من أخذ شعرات من بعض جوانب الرأس فهذا لا يحصل به التحلل ومن فعله جاهلاً أو اتباعاً لقول بعض أهل العلم فلا حرج عليه فيما مضى، والمرأة تجمع ظفائرها وتقص منها شيئا يسيراً . وبذلك تتم أعمال العمرة .
بارك الله ..
الخطبة الثانية
أما بعد:
يحصل من بعض الناس مخالفات شرعية تتعلق بالعمرة فكان من المناسب التنبيه عليها: ومنها:
أن بعض الناس قد يتغيب عن عمله من أجل أداء العمرة النافلة ، وهذا غلط إذ لا يجوز للمسلم أن يضيع الواجب من أجل فعل سنة. أما إذا كانت العمرة هي الأولى ويحتاج إلى السفر عن محل عمله فيأخذ إجازة من عمله أو يستأذن مرجعه بحيث يأتي بالعمرة دون الوقوع في المحذور.
ومنها أن بعض الناس يقصد العمرة دون أن يتفقه في أحكامها والعبادات مبنية على التوقيف ولا بد أن تسبق بالعلم حتى لا تؤدى على غير الوجه الشرعي.
ومنها التلبية الجماعية وهذه بدعة محدثة وإنما المشروع أن يلبي كل محرم لنفسه.
ومنها الاعتقاد بأن لكل شوط دعاءً خاصاً به. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت ذكراً معيناً للطواف أو السعي فدل على أن الأمر واسع والحمد لله.
ومنها مزاحمة النساء للرجال بدون ضرورة أو لبسهن الملابس الفاتنة أو تبرجهن وسفورهن وهذا من المنكر العظيم.
ومنها أن بعض المعتمرين يصطحب أهله معه فيمكث الأيام والليالي بمكة مهملاً لهم إما بسبب اعتكافه أو اشتغاله بخاصة نفسه، وإهمال الأهل لا سيما الشباب والنساء يؤدي إلى مفاسد عظيمة فهذا الولي أقرب إلى الوزر منه إلى الأجر.
ومنها أن بعض الآباء يرسلون أولادهم الذين هم في المرحلة المتوسطة أو الثانوية للعمرة الجماعية مع بعض زملائهم أو معلميهم في الحلقة أو المكتبة أو غيرها وهم لا يعلمون عن توجهات هؤلاء الموجهين ومناهجهم وأفكارهم وكثير من الشباب خرجوا من عند أهاليهم معتمرين ثم ما رجعوا إليهم وإنما انخرطوا في التنظيمات الخارجية المارقة والعياذ بالله والواجب العناية بالأبناء وعدم التوسع في حسن الظن الذي أضر بكثير من أبنائنا.
ومنها اشتغال كثير من شبابنا في رحلات العمرة بأشرطة الأناشيد قبل الإحرام وبعده حتى تغلب على أوقاتهم وهي محدثة مبتدعة كما صرح بذلك ثلة من علمائنا ومنهم سماحة مفتي عام المملكة حفظه الله وكثير منها يهيج على الأعمال التخريبية تحت شعار الجهاد. بل المعتمر يشتغل بذكر الله والكلام النافع والتفقه في دين الله و بالتلبية في محلها.
ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله ..
جزاك الله خيرا شيخنا