جديد الإعلانات :

العنوان : مواقف في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، والحث على الأخذ بأسباب السلامة في الحج.

عدد الزيارات : 1803

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

أما بعد: فإن الله تعالى لما فرض الحج على عباده وتهيأت الفرصة للنبي ﷺ للحج نودي في الناس أن النبي ﷺ سيحج، وكانوا يتحدثون أنها حجة الوداع ولا يدرون ما المقصود بالوداع، فقدم المدينة بشر كثير بلغ عددهم مائة ألف أو أكثر    وهم أكثر الصحابة فقد قيل إن النبي ﷺ مات عن نحو مائة وأربعة وعشرين ألف صحابي.

قدم هذا الجمع الكبير المبارك ليظفروا بشرف الحج مع سيد ولد آدم ﷺ ، فلما وصل ميقات ذي الحليفة أحرم منه ثم ركب ناقته القصواء وأَهَلَّ بالتوحيد “لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”.

ولما بلغَ الرَّوْحاء لقي ركباً من المسلمين فسلَّم عليهم وقال من أنتم؟ قالوا: المسلمون ، ثم سألوا النبيَّ ﷺ ولم يعرفوه فقالوا من أنت؟ فقال: رسولُ اللهِ ﷺ، فاغتمنتِ امرأةٌ منهم الفرصة ورفعتْ صبياً لها وقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر. رواه مسلم. فهنيئاً لأطفال المسلمين تكتب لهم الحسنات ولا تكتب عليهم السيئات، وهنيئاً لمن أعانهم على الخير بالأجر.

فلما وصل البيت ابتدأ بالحجر الأسود فاستلمه ثم رَمَل ثلاثة أشواط ومشى أربعاً، والرَّمَلُ مقاربةُ الخُطى مع الإسراع في المشي، ثم صلى ركعتينِ عند المقام، ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم أتى المسعى فطاف به سبعة أشواط، بدأ بالصفا، وانتهى بالمروة.

وبقي على إحرامه لأنه ساق الهديَ معه، وأمّا من لم يَسُقِ الهديَ فأمرهم النبيُّ ﷺ أن يجعلوا طوافهم وسعيهم عمرة ويتحللوا الحِلَّ كلَّه، ثم لـمّا كان يومُ التروية توجّهَ إلى منى فصلى فيها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاء والفجر كل فرض في وقته، يَقْصُرُ الرُّباعية، وبعد طلوعِ الشمسِ أفاض إلى عرفات فنزلَ أولاً بنمرة في خيمةٍ له نصبت هناك، ولما دخل وقت الظهرِ ركبَ حتى دخلَ عرفة وخطبَ الناس خُطبةً عظيمةً قرّرَ فيها حُرمة الدماء ، وأوصى بالنساء ، وحثَّ على الاعتصامِ بكتاب الله تعالى، وأشهدَ ربَّهُ أن الناسَ شهدوا له أنه قد بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ الأُمّة ، ثم صلى الظهرَ والعصرَ جمعاً وقصراً بأذانٍ وإقامتين، ثم ركبَ ناقتَهُ القصواء حتى أتى الصخراتِ ولم يصعدِ الجبلَ واستقبلَ القبلة وما زالَ  رافعاً يديه يدعو ربه حتى غربت الشمس، حتى رُوي عنه ﷺ أن زمام الناقة سقط من يده فتناوله بيد وبقيت الأخرى مرفوعة إلى السماء حرصاً على اغتنام هذا الوقت الفاضل في الدعاء والابتهال إلى الله والضراعة إليه.

وفي هذا الموقفِ سقطَ رجلٌ من فوق ناقته فانكسرت عنقه ومات محرماً فقال النبي ﷺ “اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا” متفق عليه، فهنيئاً له ولمن كان مثله.

ولما غربتِ الشمس أردفَ خلفه على الناقة حِبّهُ وابنَ حِبِّهِ أسامةَ بن زيد ثم أفاض إلى مزدلفة وهو يوصي الناس بالسكينة حتى لا يؤذي بعضهم بعضاً لشدةِ الزحام وكثرةِ الناس، فلما وصل مزدلفةَ صلى بها المغربَ والعشاء جمعاً وقصراً ثم اضطجع ونام حتى طلع الفجر فصلى ثم وقف يدعو الله ويذكره حتى أسفر، ثم أردف خلفه ابنَ عمِّهِ الفضلَ بنَ عباس، وكان شاباً وسيماً حَسَنَ الشَّعَر، فمرّتْ بهم نساءٌ على الإبل فجعلَ ينظرُ إليهن وجعلَ النبيُّ ﷺ يصرفُ وجهَهُ عنهن إلى الشِّقِ الآخَر، تربيةً من النبيِّ ﷺ له على غضِّ البصر.

ثم أفاض إلى منى فلما بلغ وداي مُحسّرٍ أسرعَ قليلاً لأنه موطنُ عذابٍ، أهلك الله فيه أصحابَ الفيل. ولما وصل منى رمى جمرةَ العقبة ثم نحر هديَه، وكان عددُ هديهِ مائةَ رأسٍ من الأبل فنحر بيده الشريفةِ ثلاثةً وستينَ بَدَنة فوافقتْ عددَ سنواتِ عُمرهِ على المشهور، ووكّلَ علياً فنحر الباقي، ومن عجائبِ ما وقع له ﷺ أنه قُرِّبتْ له خمسٌ أو سبعٌ من الإبل دُفعةً واحدة فكانت تزدحمُ عليه، كلُّ واحدةٍ منها تريد أن ينحرَها قبلَ أُختها فكانت من معجزاتهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليه في ذلك الموقف، ثم أَمرَ فطُبِختْ وأَكلَ من لَحمِها وشَرِب من مَرقِها.

ثم حلق شعرَه ثم اغتسلَ وتطيبَ وأفاضَ إلى مكة فطاف وسعى وصلى بها الظهر ثم رجعَ إلى منى. فبات فيها ثم رمى الجِمارَ الثلاثَ في اليومِ الحادي عشر بعد ما زالتِ الشمس، رمى الصغرى ثم وقف ودعا الله طويلاً ، ثم رمى الوُسطى ووقف ودعا الله طويلاً ، ثم رمى الكُبرى ولم يقف للدعاء بعدها، فعل ذلك في اليومِ الحادي عشر والثاني عشر والثالثَ عشر.

ثم رجع إلى مكة فبقي في الأبطحِ فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رَقدَ رقدةً ثم سار إلى البيتِ وطاف طوافَ الوداع وصلى بالناس الفجرَ وقرأ فيها سورةَ الطور ثم رجع مِن فَوره إلى المدينة ومكث فيها باقي ذي الحجة ومحرم وصفر وتوفاه الله إليه في الثاني عشرَ من ربيعٍ الأول فعرفَ الناس أن معنى الوادع أنّه قربُ أَجلهِ من تلك الحِجّة.

رزقني والله إياكم صِدقَ محبته، واتباعَ سنته، والحشرَ في زُمرته، إنه سميع مجيب، أقولُ هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله، فبالتقوى ينال خير الدنيا والأخرى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ” [الأحزاب: 70، 71]

عباد الله:

اعلموا أنّ هذه العشر عشر ذي الحجة خير أيام الدنيا والعمل الصالح فيها أحب إلى الله وأعظم أجراً من العمل الصالح في غيرها كما صح الحديث عن نبينا ﷺ ، فاجتهدوا فيها بما استطعتم من الطاعات والقربات، كما يُشرعُ لمن أرادَ أن يضحيَ أن يُمسكَ عن أخذِ شعره ِوأظفارهِ وبشرتِه حتى يذبحَ أُضحيتَه.

عبادَ الله:  إن الحجَّ في هذا العام يصادفُ حرّاً شديداً فمن أرادَ الحجَّ فليرفُقْ بنفسهِ، وليتخذْ أسبابَ السلامةِ من ضرباتِ الشمسِ باستعمالِ المظلّةِ الشمسية، وعدمِ التعرضِ للشمسِ قدرَ الإمكان، وشُربِ الكثيرِ من السوائل، ولبس الكمام في الزحام، والعناية بالنظافة الشخصية، وعلى الحاج تجنّبَ تَسلُّقِ المرتفعات، والحذر من التدافع، وتطبيقَ إرشادات الصحة والسلامة التي تعلن عنها الجهاتُ المختصة، فدينُنا بحمدِ الله ينهى عن الإضرارِ بالنفس كما ينهى عن الإضرار بالغير.

اللهم احفظ الحجاجَ والمعتمرين، ويسر لهم أداءَ مناسكهم آمنين، واجزِ حكومةَ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ خيرَ الجزاء على ما تقومُ به من خدمةٍ فريدةٍ للحرمينِ الشريفينِ وقاصدِيْهما من الحُجّاجِ والعُمّارِ والزُّوار، اللهم أَعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، وانصر عبادَكَ الموحدين، اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيهِ رضاك، واجعلْ عملَهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا ًوسائر بلاد المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم فرج هم المهمومين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *