العنوان : خطبة عيد الفطر 1445هـ (مكانة المرأة في الإسلام).
خطبة عيد الفطر 1445هـ (مكانة المرأة في الإسلام).
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر – الله أكبر.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتأملوا محاسن دينكم وإعطائه كل ذي حق حقه، فإن أحكام الإسلام وشرائعه تنطق بجمال الإسلام وحسنه، وموافقته للعقل والفطرة، ومن ذلك ما أكرم به المرأة من الأحكام والآداب التي تلبها حاجتها، وتحفظ كرامتها، وتضعها في مكانها الصحيح اللائق بها، المناسب لخصائصها وطبيعتها.
وقبل الحديث عما أكرم الإسلام به المرأة أذكركم بشيء من حالها التي كانت عليها قبل الإسلام من السوء والهوان، والظلم والاحتقار، وقد لخّص عمرُ الفاروقُ رضي الله موقعَ المرأةِ في الجاهلية فقال: “كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ لاَ نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا” رواه البخاري، أي لم يكونوا يرونها شيئاً يُعتدُّ به فما هي إلا مخلوقٌ للمُتعةِ والخِدمةِ والامتهان، ولا شيءَ غيرَ ذلك، لذلك كانوا إذا وضعتِ المرأةُ أنثى شَعرَ أَبوها بالذُّل، واسوَدَّ وجهُه من الحزن، وامتلأَ قلبه من الغَمّ، كما قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ولما كان بعض الآباء يختار الخيار الثاني فيدُسُّها في التراب وهي حيّةٌ، توعدهم الله فقال: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)
ومن إهانةِ الجاهلية للمرأةِ حِرمانُها من الميراث، بل كانت هِيَ نفسُها متاعاً يُورث، لهذا جاء النهيُ عنه فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا)
ولم يكن لها حقُّ اختيارِ الزوج فكانتْ تُعضَلُ عن الزواج، وكانت تُزَوّجُ رغماً عنها بمن لا تَرغبهُ من الأزواج، فنهى الله عن ذلك فقال تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) أي لا تمنعوهن من الزواج إذا تقدم لهن الخاطب الكفؤ، ولا تمنعونهن من الرجعة إلى زوجها الذي طلقها إذا أراد أن يراجعها.
وكان الزوج في الجاهلية يُضارُّ المرأة في الطلاق وذلك أنه يطلقها فإذا أوشكتِ العِدَّةُ على الانتهاءِ راجعها وأساءَ عشرتهاً ثم طلَّقها وهكذا بلا زمنٍ مَعدود، ولا حَدٍّ محدود، فرفعَ اللهُ هذا الضرر العظيمَ عن المرأة، وجعل الطلاقَ مرتين ثم لا تَحِلُّ لزوجِها بعدَ الثالثةِ حتى تنكحَ زوجاً غيره.
فلما جاء الإسلامُ أكرمَ المرأة غايةَ الإكرام، ومن ذلك أنّ الله امتنَّ على الآباءِ والأُمهات بهبتهِ لهم الإناث، كما امتنَّ عليهم بهبة الذكور بل قدَّمهن في الذِّكر فقال تعالى: ” يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ”، وجَعل مولدَ البنتِ نِعمةً تَستحقُّ أن يُفرَحَ بها وتُذبحَ لها العَقِيقةُ، شُكراً لله على عطائهِ، بعد أن كانت هي نفسها تُذبح؛ كُرهاً لها وتخلّصاً منها.
وبعد أن كانتْ المرأةُ مَتاعاً يُورَث، أكرمَها الله، وفرَضَ لها نصيبَها العادلَ من الميراث، فإنها إن كانت تأخذُ أقلَّ من نصيبِ الذَّكَرِ في بعض الحالات فإنها في حالاتٍ أُخرى تأخذُ مِثلَ نصيب الذَّكرِ، وفي حالاتٍ تأخذُ أكثرَ منه، وربما وَرِثَتْ هيَ ولم يرث الذكرُ شيئاً.
وبعد أن كانتِ المرأةُ مخلوقاً لا يَعُدُّها الرجالُ شيئاً في الجاهليةِ سَوّى اللهُ بينَها وبين الذَّكَرِ في الخطابِ العام، والتكليفِ بالإيمان والعِبادة، وسَوّى بينهما في الثوابِ والعِقاب، ثم خَصّ كلاً منهما بما يناسب طبيعتَه وجِبِلّتَه، ووظيفَته في هذه الحياة. قال ﷺ “إنما النساءُ شقائقُ الرجال” رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقال تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وفي حِجّةِ الوَداع حيثُ اجتمعَ المسلمون من كلِّ مكان في مَحْفَلٍ عظيم أوصى النبيُّ ﷺ أُمَتّهُ بالمرأة فقال: “استوصوا بالنساء خيراً” وقال: “َاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ”. فلا شيءَ أَدَلَّ ولا أوضحَ على مكانةِ المرأةِ في الإسلام وعنايتهِ بها بعدَ هذه النصوصِ الواضحةِ الجَلِّية.
لذلك على المرأةِ المسلمةِ أن تعتزَّ بدينِها دينِ الإسلام الذي أكرمها، ورفع شأنها، وأعطاها حقَّها، ورفع الهوانَ عنها، وحرَّرها من عبوديةِ الشيطان وأوليائه.
وعليها أن تحذرَ كلَّ الحذر من الدعوات المغرضة التي تحاول أن تصدها عن دينِها بدعوى أن الإسلامَ ظلمَها وأهانها، وسلبَها كرامتها، مستغلين جهل كثير من الناس بحقيقة دينهم، أو مستغلّين بعضَ الممارساتِ الخاطئة التي تُلبّسُ لباسَ الدينِ، والدينُ الحقُّ منها بَريء.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر -الله أكبر.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ إكرامَ الإسلامِ للمرأةِ له صورٌ لا يمكن حصرُها ولا عدُّها، وسنعرضُ شيئاً منها في هذا المقام على سبيل الاختصار.
فإذا نظرنا إلى المرأة باعتبارها أَمّاً وجدنا الدينَ يأمرُ بِبرِّها، ويجعلُ الجنّةَ تحتَ قَدمِها، ويجعل رضاها من رضى الله تعالى.
وإذا نظرنا إليها زوجة وجدنا الآياتِ تأمرُ بِعِشْرَتِها بالمعروف، وفي هديِ النبي ﷺ نجده ﷺ – كما في صحيح البخاري- يَضعُ العباءةَ على ظهرِ البعيرِ بيديه، ثم يجلسُ ويَثْني ركبتَه لتضعَ عليها زوجتُه صفيةُ رضي الله عنها رِجْلَها عليها حتى تركبَ على ظهرِ البعيرِ فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه.
وإذا نظرنا إلى المرأة بنتاً نجد الشرع يأمرُ برحمتِها والإحسانِ إليها وحسن تعليمِها وتربيتِها ويجعلُ ذلك من أسباب دخولِ الجنة، وكانت فاطمةُ إذا دَخَلتْ على النبيِّ ﷺ قام إليها وأخذ بيدِها وقَبَّلها، ودخلَ أبو بكرٍ على ابنته عائشة وهي مريضة فقبل خدها حناناً بها وشفقة عليها رضي الله عنهما.
وإذا نظرنا إلى الأخت نجدُ النبيَّ ﷺ حين قدِمتْ عليه الشّمّاء -أُختُه من الرضاع- أَكرمَها، وبَسَطَ لها رداءَهُ وأجلسها عليه.
ولما ماتتِ الجاريةُ التي كانتْ تَقُمُّ المسجدَ سألَ النبيُّ ﷺ عن قبرِها فذهب وصلى عليها. إكراماً لها وإشادة بعملها الصالحِ الذي كانت تقومُ به.
الله أكبر الله أكبر الله لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد.
إخوة الإيمان:
لما كانت المرأة مَحِلَ شهواتِ الرجال، وأطماعِ من في قلبه مرض فقدْ شرع الله من الأحكام ما يحفظ به كرامةَ المرأة، ويصونُها عن كُلِّ سوء، فجعل الرجلَ قوّاماً عليها ووليّاً لها ليحفَظها ويصونَها قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، وأمَرها بالحجاب، كما قال تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) ونهاها عن الخضوعِ بالقولِ، وعن السفورِ والتبرج، وإظهار زينتها فقال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) وقال تعالى (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) الآية، ونُهِيتْ عن الخلوة بغيرِ المحارم، وعن السفرِ بلا محرم، وعن مصافحةِ الرجل الأجنبيِّ عنها كما صحَّت بذلك السُّنَّةُ عن النبيِّ ﷺ. الله أكبر الله أكبر الله لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله:
إن المرأة وإن كان لها الحقُّ في العمل والكسب إلا أن وظيفتها الحقيقية هي في العنايةِ بزوجِها وطاعتهِ في المعروف، وإحسانِها لعِشْرته، وفي عنايتها بأولادِها تربيةً وعطفاً ورعاية، لأنَّ العملَ الذي تقومُ به خارجَ المنزلِ قد يُوجدُ مَن يقومُ به بدلَها، لكن لا بديلَ عنها أبداً يَحُلُّ مَحِلَّها في بيتِها، فإذا انشغلتْ عن زوجِها وأولادِها تخلخلَ النظامُ الأُسَري، وخرجتْ أجيالٌ هشّةٌ ضعيفةٌ فاقدةٌ لكثيرٍ من القِيَمِ والأخلاق.
فعلى كلِّ امرأةٍ مسلمة أن تدرك محاسنَ دينِ الإسلام، وأنّ أحكامه في صالحِها، وأن تمسكها بدينها عقيدةً وعبادةً وأخلاقاً هو سرُّ سعادتها في الدنيا، وفوزِها في الآخرة. قال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) وقال تعالى (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) جعلني الله وإياكم من أهلها.
الله أكبر الله أكبر الله لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد.
اللهم تقبل صيامَنا وقيامَنا، واعتق رقابَنا ورقابَ والدِينا من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشركَ والمشركين، واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادَك الموحدين، اللهم وفق إمامنا خادمَ الحرمين الشريفين، ووليَّ عهدِه الأمين، اللهم انصر بهم دينَك وأَعلِ بهم كلمتَك وارزقهم البطانَةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين. اللهم انصر جنودَنا واحفظ حدودنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، إنك أنت القوي العزيز.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فاذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).