العنوان : الإسراء والمعراج
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى واعتصموا بحبله المتين، وتمسكوا بالسُّنة ولا تغتروا بكثرةِ الزائغين، فإنَّ أصدقَ الكلام ِكلامُ الله، وخيرَ الهَديِ هديُ محمدٍ ﷺ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلَّ ضلالةٍ في النار.
إخوة الإيمان: إن حادثة الإسراءِ والمعراج من الحوادث العظيمة التي أكرم اللهُ بها نبيَّنا ﷺ، فقد أسرى الله به روحاً وجسداً من مكةَ إلى بيتِ المقدس، ثم عُرج به من بيتِ المقدسِ إلى السماء، قال تعالى في شأن الإسراء ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
وقال تعالى في شأن المعراج: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
وجاءت أحاديثُ كثيرةٌ تفصلُ أحداثَ الإسراءِ والمعراج، لذلك نصّ أهلُ العلم على أنَّ مَن كذّبَ بالإسراءِ والمعراج أو بواحدٍ منهما فهو كافرٌ مكذِّبٌ للهِ ولرسولهِ ﷺ.
عبادَ الله:
لما أراد اللهُ أن يَسرِيَ بنبيه أَرسل إليه جبريل فشقَّ صدره إلى أسفلِ سُرَّته فغسل قلبَه بماءِ زمزم ثم حُشي إيماناً وحكمة، ثم أُسري به إلى بيتِ المقدس على دابة تسمى البُرَاق، وهي دابةٌ أصغرُ من البغلِ وأكبرُ من الحمار، فربطه ﷺ في الحلْقة التي يربط بها الأنبياء، ثم عرج به جبريل إلى السماء، حتى جاوز السماء السابعة ووصل إلى مكان يسمع فيه صوت أقلام الملائكة وهي تكتب بأمر الله، وهناك كلمه الله بلا واسطة ففرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة ولما نزل مر بموسى وأخبره بخبر الخمسين صلاة أرشده موسى أن يرجع إلى ربه فيسألَه التخفيف ، ثم ما زال النبي ﷺ يتردد بين موسى وربه عز وجل حتى وقف التخفيفُ على خمسِ صلواتٍ في اليومِ والليلة فقط، فالحمد لله على تيسيره وجزى الله موسى عن هذه الأمة خير الجزاء .
وقد رأى النبي ﷺ في السماء حين عرج به آدم ويحيى وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام وكلهم رحّبَ به وأثنى عليه ، ورأى أيضاً مالكاً وهو خازن النار، ورأى المسيح الدجال.
وفي هذه الرحلة العظيمة دخل النبي ﷺ الجنة ورأى شيئاً من نعيمها وبعض ما أُعدِّ فيها لأهلها، فرأى ترابها المسك، ورأى فيها قصراً من ذهب لعمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه.
كما رأى النار والعياذ بالله ورأى شياً من عذابها، فرأى أهلَ الغيبة لهم أظفارٌ من نُحاس يخمشون بها وجوهَهم والعياذُ بالله، ورأى خطباءَ السوءِ من هذه الأمة تُقرض شفاهُهُم بالمقاريضِ والعياذُ بالله.
ورأى آدم عليه السلام وعن يمينه أهلُ الجنة وعن يساره أهلُ النار من ذريته فإذا التفتَ لأهل الجنةِ ضحك فرحاً لهم، وإذا التفتَ لأهل النارِ بكى حُزناً عليهم.
وبعد المعراج نزل ﷺ في بيت المقدس وجمعَ الله له من شاء من الأنبياءِ فصلى بهم إماماً ﷺ ثم ركب البُراق ورجع إلى مكة. حصل ذلك كله في جُزءٍ من الليل، فسبحانَ القديرِ على كل شيء، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واحذروا من المناهجِ الفاسدة تُجاه الإسراءِ والمعراج، فمنها سبيلُ الملاحدةِ والزنادقةِ الذين ينكرون الإسراء والمعراج، لاستحالتهِ في نظرهم، متناسينَ أنّ اللهَ على كل شيءٍ قدير، ومتجاهلينَ أنّ الناسَ اليوم يقطعون بالطيارات والسيارات في دقائقَ معدودة ما كان يقطعونه في أسابيعَ وشهور، فإذا قدِرَ المخلوقُ على ذلك فما ظنّكَ بقوةِ الخلّاقِ العليم.
ومن سُبلِ أهل الجهلِ اعتقادُهم أنَّ الإسراءَ والمعراج كان ليلةَ السابعِ والعشرينَ من شهرِ رجب، مع أنّه لا أحدَ يعلمُ يقيناً متى كان الإسراءُ والمعراج، إلا أنّه بعد بعثةِ النبي ﷺ وقبلَ هجرته، أما الجزمُ بأنه في يوم كذا في شهر كذا فهو من القولِ على اللهِ بغيرِ علم.
ومن سُبلِ أهلِ البدع الاحتفالُ بليلةِ الإسراءِ والمعراج يتقربون بذلك إلى الله تعالى، والتقرُّبُ إلى الله لا يجوزُ بغيرِ ما شرعهُ اللهُ ورسولهُ ﷺ، وإذا كان النبيُّ ﷺ وأصحابهُ رضي الله عنهم لم يحتفلوا به عَلِمْنا يقيناً أنه زيادةٌ في الدين، ومخالفةٌ لسبيلِ المؤمنين.
معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. واحمِ حوزة الدين، وانصر عبادَك الموحدين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.