جديد الإعلانات :

العنوان : تذكير المصابين بالزلازل والأعاصير بالصبر والاحتساب

عدد الزيارات : 2146

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى واعلموا أن اللهَ تعالى كتب على الدنيا الفناء، وجعلها دارَ امتحانٍ وابتلاء، يختبرُ فيها عبادَهُ بالنعم السارَّة، والخيراتِ الدارَّة، ليتميزَ الشاكرُ مِن الكافر، والمعترفُ بها مِن الجاحد، فيثيبَ الشاكرينَ ثواباً عظيماً، ويذيقَ الكافرينِ بنعمتهِ عذاباً أليماً {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

ويختبرُ اللهُ عبادَه بالمقاديرِ المؤلمة، والمصائبِ الموجعة، كموتِ الأحبةِ والأصفياء، والخوفِ والجوعِ والوباء، والزلازلِ العاتية، والسيولِ الطاغية. ليتميزَ الصابرُ على قضاءِ اللِه وقدرِه، المسلِّمِ لله في أمرهِ وحكمتِه، الراضي بالابتلاء على قَسوتهِ وشدتِه، ويتبينَ من يعترضُ على ربهِ، ويتسخطُ من قَدرِه، ويجزعُ عند مصيبته، فيبوءَ الساخطُ بغضبِ الله ومقتِه، ويفوزَ الصابرُ برضا ربِّه ورحمتِه.

عبادَ الله:

إذا نزلتْ بالعبادِ المصائبُ الكبيرة كالزلازلِ والأعاصيرِ والبراكينِ فذهبتْ بالأنفسِ والأموال، وتبدلتْ على الناسِ بعدها الأحوال، فليتسلّحِ المسلمُ بسلاحِ الصبر، فلا يتكلمُ بما يسخطُ اللهَ عليه، كسبِّ القدَر، والاعتراضِ على المصيبة، ولا يعملُ بيدهِ ما ينافي الصبر، كلَطْمِ الخدود، وشَقِّ الجيوب، ونتفِ الشَّعَر، وليتذكرْ ما أعدَّ اللهُ للصابرين، ولو لم يَرِدْ في حقِّهم إلا قولُه تعالى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} لكفى به مُحرِّضاً كلَّ مؤمنٍ على لزومِ الصبر.

ومما يعينُ المسلمَ على تحمُّلِ هذه المصائب وتخفيفِ وطْأَتِها عليه أن يتأمّلَ مظاهرَ الرحمةِ والمنافع ِفي المصائب، ومنها على سبيلِ المثال:

أولاً: أن المصائبَ كفاراتٌ للسيئات، ورفعةٌ في الدرجات، فكمْ من عبدٍ لم يزل بهِ البلاءُ حتى لقيَ اللهَ وليس عليهِ ذنب، وكم من عبدٍ له منزلةٌ عليّةٌ في الجنّة لم يبْلُغها بعمله فلا يزالُ بهِ البلاءُ حتى يبلغها بفضلِ اللهِ ورحمته، وكلّما عظُمَ البلاءُ عظُمَ الثوابُ والجزاء، حتى إنَّ أهلَ العافيةِ إذا رأوا ثوابَ المبتلَيْنَ يومَ القيامة تمنّوا أن لو ابتُلوا في الدنيا أشدَّ الابتلاء قال ﷺ ” لَيَودَّنَّ أهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ أنَّ جلودَهم قُرِّضَتْ بالمقاريض، مما يرونَ مِن ثوابِ أهلِ البلاء ” رواه الترمذي.

ثانياً: أن المصائبَ تُرقِّقُ القلوبَ بعدَ قسوتِها، وتكسِرُ النفوسَ بعد تكبّرها، وتُقرِّبُ المؤمنَ من ربهِ بعد غفلتهِ عنه، فكم من أُناسٍ كانوا سادِرِينَ في المعاصي، غارقينَ في الشهوات، فما أيقظتُهم الآياتُ القرآنية، ولا السننُ النبوية، ولكن أيقظتهم المصيبةُ حين تخطّفت أموالَهم أو أبناءَهم أو أحبابَهمْ أو صحَّتَهمْ أو غيرَ ذلك من نِعَمِ الله عليهم، فكانت المِحْنَةُ مِنحةً ربّانية، نالوا بها سعادةَ الدنيا والآخرة.

أما مَن لم يَلِنْ قلبُه عند المصيبة فهذا اجتمعتْ في حقِّه مصيبتان: المصيبةُ الدنيوية التي حلّتْ به، والمصيبةُ الدينية بقسوةِ قلبه، قال تعالى:”فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله” وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

ثالثاً: ليتذكرِ المسلمُ أن أحبّتَه الذين ماتوا بالهدْم أو الغَرق أو الحَرَقِ _ما داموا مسلمين_ أنهم عندَ الله من الشهداءِ السعداء، الذين أعدَّ الله لهم في الآخرةِ الدرجاتِ العالية، والعيشةَ الراضية، قال ﷺ “الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ: وذكر منهم الغريق والحريق والذي يموت تحت الهدم”

رابعاً: ليتذكّرِ المسلمُ أنَّ كثرةَ الابتلاءاتِ للمؤمنِ علامةٌ على محبةِ الله له، يريد له الخير حتى لا يجيءَ يومَ القيامةِ بتبعاتِ ذنوبِهِ يحملها على ظهرهِ إلى جهنم قال ﷺ : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» رواه البخاري

وقال ﷺ : “إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ” وقَالَ ﷺ  “إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ”.

فحسِّنوا الظنَّ بربّكم، وأيقنوا أنّ ما أصابكمْ لم يكن ليخطئكم وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، وأَنّنا مِلكُ اللهِ وعبيدُه، ماضٍ فينا حكمُه، نافذٌ فينا أمرُه، لا رادَّ لقضائه، ولا مُعَقِّبَ لحكمه، ولا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون، أقول هذا القول وأستغفر اللهَ لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن مما يَتسلى به المسلمُ عند المصائبِ الإكثارَ من قولِ (إنا لله وإنا إليه راجعون) وهي كلمةٌ عظيمة خُصّتْ بها هذهِ الأُمّة ، كما قال بعضُ السلف، ومعناها الاعترافُ والإقرارُ بأَنّنا كلَّنا مِلْكُه وكلَّنا عوارٍ مُسْتَردَّة، يُعطي ما يشاء ويأخذُ ما يشاء، وفيها تذكير النفسِ بالرجوعِ إلى الله، فلستَ بِـمُخَلّدٍ بعد مَيِّتِك، وفيها التذكيرُ بالجزاءِ، فليصبرِ المسلم وليحتسب ليُجزى أجره بغير حساب، وينبغي أن يكونَ قولهُا عن صبرٍ ورِضا أمّا أن يقولهَا وهو جازعٌ ساخطٌ معترضٌ على القدَرِ فهذا مُسيءٌ.

أيها الإخوةُ في الله:

إنّهُ حيثُ تنزل الكوارثُ العامة ينبغي أن تتجلّى بين الأهل والجيران والأقارب وأهلِ البلدِ المصابِ معاني الأُخوّةِ الإسلامية في أجلى صورِها من حيث التراحمُ والتعاطفُ والمواساةُ، والعونُ بالقليلِ والكثير، وتناسي الخصوماتِ، ويتداعَوا لإنقاذ المكروب، وإطعامِ الجائع، ومواساةِ الحزين، ومداواةِ المريض، وإيواءِ المشرد، ومن كان بعيداً عنهم أو عاجزاً عن العون بنفسهِ ومالِه فلا ينسهم من دعائه، وضراعته إلى الله تعالى في صلاته، فإنّ الدعاء من أعظمِ الأسبابِ وأنفعها.

اللهم فرّج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، اللهم ارحم موتى الزلازل والأعاصير من المسلمين، واجعل موتهم شهادة في سبيلك يا رب العالمين، اللهم اشف المرضى، ودواي الجرحى، وهيئ لكل محتاج مأوى، اللهم اربط على قلوب المصابين، واجبر كسرهم يا رب العالمين، اللهم ألهمهم الصبر والرضا، على ما نزل بهم من مُرِّ القضا، اللهم اخلف عليهم ما فاتهم بأعظم الأجر والثواب يا أرحم الراحمين.

اللهم نسألك العفو والعافية ونعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ إمامنا وولي عهده بحفظك واكلأهم برعايتك، وأيدهم بعونك ونصرك، يا رب العالمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *