العنوان : تنبيهات حول الرؤى والمنامات
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
أما بعد:
فإن الرؤى والمناماتِ لها أهمية ٌكبيرةٌ عند كثيرٍ من الناس، وسببُ عنايتهم بها أنّها قد يُعلم بها ما سيكونُ من خيرٍ أو شرٍ للرائي أو لغيره، قال ﷺ «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.» أي «أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِي وَلَا يَبْقَى مَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا سَيَكُونُ إِلَّا الرُّؤْيَا».
وعلى المسلمِ أن يتعاملَ مع الرؤى بمقتضى الشرع، حتى لا تَزِلَّ به القدم. وإليكم أخوةَ الإيمانِ جُملةً من التنبيهات عن الرؤى وما يتعلقُ بها:
أولاً: ثبت عن النبي ﷺ أنَّ ما يراه النائمُ في منامه ثلاثةُ أنواع: رؤيا من الله تعالى، ورؤيا هي حديثُ نفس، ورؤيا من الشيطان.
أما التي من الله وهي الرؤيا الصالحة فقد تكونُ بشارةً تسرُّ المؤمنَ ولا تغرُّه، وقد تكونُ إشارةً إلى ابتلاءٍ ليوطّنَ نفسَهُ عليه، فإن المصيبةَ المتوقعة أهونُ من المصيبةِ التي تقعُ مفاجأة.
وأما التي تكونُ بسببِ حديثِ النفس فكمَن نامَ جائعاً فرأى في منامه الطعامَ والشراب.
وأما التي من الشيطان فهي التي يريدُ بها الشيطانُ تحزينَ المسلمِ وتخويفَه والتلاعبَ به.
والمشروعُ لمن رأى رؤيا صالحة إن كانت مبشرةً بخير أن يحمدَ الله، ويخبرَ بها الخاصةَ مِن أهلِ مودتِه ومحبته، ومَن يحسنُ التعبيرَ ويتقِنُه.
ومن رأى رؤيا تسوؤه وتحزنه وتخيفه فليقمْ ولينفثْ عن يسارِه ثلاثاً، ويستعيذُ بالله من شرها، وينقلبُ إلى الشِّقِ الآخَر، ولا يحدِّثُ بها أحداً، فإنها لن تضرَّه إن شاء الله.
ثانياً: ينبغي أن يُعلم أن رؤى غيرِ الأنبياء ليستْ مصدراً لمعرفةِ الحلال والحرام، والسنة والبدعة، والتوحيدِ والشرك، وقد أضلَّ الشيطانُ كثيراً من الصوفيةِ والجهال ففتح لهم أبوابَ البدعِ والشركياتِ والإلحادِ عن طريق الغلوِّ والمبالغةِ في الرؤى والمنامات، وجَعْلِها مصدراً من مصادر تلقّي الدينِ والعياذُ بالله، فبعضُهم يرى في منامه أَنّ المكانَ الفلانَّي مدفونٌ فيه وليُّ صالح فيبادرَ إلى تعظيمِ هذا المكانِ، واتخاذِه وثناً يُعبدُ مع اللهِ والعياذُ بالله.
ولا ننسى أَنّ تفسيرَ قولِ اللهِ تعالى “كنتم خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للناس” بالخروجِ المبتدَعِ عندَ جماعةِ التبليغِ إنما كان عن طريقِ منامٍ وحُلُمٍ رآه زعيمُ هذه الجماعة، فاتخذوا هذا الحُلمَ الشيطانيَّ دِيناً يتعبدون اللهَ به.
وكذلك كان من أسبابِ اغترارِ مجموعةٍ من الناس بفتنةِ اقتحامِ الحرم قبلَ أربعينَ سنة أحلامٌ شيطانية زيّنَ لهم الشيطانُ فيها أَنّ فلاناً هو المهدي، فَنشِطوا في غَيِّهم، واستحلّوا الدماءَ المعصومة، واستحلوا البيتَ الحرام، ونقضوا البيعةَ التي في أعناقهم لإمامِ المسلمين بهذه الأحلام، نعوذ باللهِ من الجهلِ والهوى، واتباعِ خُطواتِ الشيطان.
ثالثاً: من رأى النبيَّ ﷺ على صورته وهيئته المعروفة في كتب العلم فقد رأى النبيَّ ﷺ حقاً لأنَّ الشيطانَ لا يتمثلُ بصورةِ النبي ﷺ، وينبغي أن يُعلم أنَّ رؤيا النبيِّ ﷺ في المنام ليست دليلاً على صلاحِ الرائي واستقامتِه، بل قد يراه الفاسقُ والمبتدع، أما الصلاحُ والاستقامةُ على السُّنة فتعرفُ بوزنِ أقوالِ الرجلِ وأعمالهِ بميزانِ الكتاب والسنة.
كما أَنَّ من رأى رؤيا صالحةً لنفسهِ أو لغيرِه لا ينبغي أَن يَغترَّ بها لأنّها ليست ضماناً بالجنّة، ولا بحسنِ الخاتمة، فالرؤيا الصالحةُ المبشِّرة تَسرُّ المؤمنَ لكنّها لا تغره، فلا تحملهُ على العُجْبِ بنفسه وعمِلِه، ولا على تركِ العمل الصالح، لأنّه يعلمُ أنّ العبرةَ بالخواتيم. نسألُ اللهَ حُسْنَ الختام.
رابعاً: تعبير ُالرؤى له شأن عظيم حتى قال ابن عبد البر “وعلمُ تأويل الرُّؤيا من علوم الأنبياءِ وأهلِ الإيمان” اهـ، لذلك لا ينبغي التساهلُ في تعبيرِ الرؤيا، ولا الخوضُ فيها بجهل، وكيف يُتساهل بها وهي من النبوّة كما نبّه إلى ذلك الإمامُ مالكٌ رحمه الله.
عباد الله: إننا نرى اليومَ تساهلاً وتوسعاً ومجازفاتٍ في تعبيرِ الرؤى، لا سيما عن طريق مواقعِ التواصل، فقد اتخذوا تفسيرَ الرؤى سُلَّماً للشهرة، وسُلّماً لتكسبِ الأموال، والمزاحِ والضحكِ مع النساءِ الأجنبيات، وترى هذا المعبِّرَ المزعومَ يعبِّر ُكلَّ شيءٍ يُسأل عنه، وتراه يَتحدثُ بحديثِ الجازمِ وكأَنّهُ يقرأ من اللوحِ المحفوظ، بينما هو يَتخرصُ ويَظُنّ، ويصيب ويخطئ، لكن لِيوهمَ المتصلاتِ والمتصلينَ أنّهُ صاحبُ رسوخِ قَدَمٍ في تعبيرِ الرؤى. فالحذرَ الحذرَ ممن اتخذَ تعبيرَ الرؤى شبكةً يصطادُ بها المالَ والشُّهرة.
أقولُ هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
أما بعد:
فإن الصدقَ مأمورٌ به، والكذبَ منهيُّ عنه، ومن الكذبِ المحرّمِ أن يزعم الإنسانُ أنّهُ رأى في نومه كذا وكذا وهو لم يَرَ، قال ﷺ «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ » وبعضُ الناسِ يتساهلُ في ادّعاءِ الرؤى بقصدِ الدعوةِ إلى اللهِ، والترغيبِ والترهيب، وهذا مَسْلَكٌ باطلٌ لا يجوز. جعلني الله وإياكم من الصادقين،
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. وانصر عبادَك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.