العنوان : الحث على مراقبة الله في السر والعلن
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا اللهَ الذي خلقكم والذين مِن قَبْلِكُمْ، وراقبوه في أقوالِكُم وأعمالِكُمْ، وسِرِّكُمْ وعلانيِتِكُمْ، وجاهدوا أَنفُسَكم عن الوقوعِ فيما حرّمَ اللهُ عليكم، وإنّ مما يعينُ العبدَ على مراقبةِ الله في كل أحوالِه أن يستحضرَ أَنّ اللهَ قد أحاطَ به علماً، فمهما استخفى عن الأنظار، وأَقفلَ الأبواب، وأَحَكَمَ الأَسباب، فلن يَغيبَ لحظةً واحدة ًعن ربِّ الأرباب، قال تعالى {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}.
ثم ليتذكّرْ كلُّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ما أعدّهُ الله من الشهود التي ستشهدُ على كلِّ عاملٍ بما عمِلَ يومَ القيامة، _لِيُظهرَ اللهُ في عبادِه كمالَ عدلِه_ فَمِن تلكَ الشهودِ على الأعمال:
كتابُ صحائفِ الأعمال، فإنّ الله قد وكّلَ بنا من يُحصي علينا أعمالَنا قال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وقال تعالى {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}
يا عبد الله: إنّكَ واجِدٌ في هذا الكتاب كلَّ ما قَدّمتْ يداك، حتى مثقالَ الذّرةِ مِن الخيرِ، ومثقالَ الذّرةِ مِن الشَّر، قال تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وقال تعالى {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فَلْنَمْلأْ صحائِفَنا بما تَسُرُّنا رؤيتُه يومَ القيامة، لِنأْخُذَها باليمين، ونَقرأَها مُستَبشِرين، ونعودَ إلى أهلِنا في الجنة مسرورين قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} جعلني الله وإياكم منهم.
أما من سوّدَ كتابَه بالشركِ والبدعِ والذنوبِ، وأخذَ كتابَه بشماله من وراء ظهره، فلا تَسَلْ عن حالهِ من الحسرةِ والندامة، والخزيِ والهوانِ يومَ القيامة، ينادي على نفسه قائلا واثبوراه يعني يا هلاكاه كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا}، نعوذ بالله من عذابه الأليم ، ونسأله من فضله العظيم. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الحَوَاسَّ والجلودَ والأعضاء هي أيضاً من الشُّهودِ يومَ القيامة على أعمالِ العباد، قال تعالى {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}.
ومن الشهود أيضاً هذه الأرض التي نحيا عليها، فإن لها يوماً تَتحدّثُ فيه بما عمل الناس على ظهرها وتلك هي أخبارها. قال تعالى {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.
إخوة الإسلام: كفى بما قص الله علينا من علمه بنا، وشهادة الشهود علينا أو لنا، باعثاً لنا أن نحسن العمل ونتقي الله في السر والعلن. اللهم أصلح قلوبَنا، واشرح صدرونا، وثبتنا على الحق حتى نلقاك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.