العنوان : أعمال لا يحبها الله ولا يحب أهلها (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله، وتدبروا كتابَ الله، تَعَرّفوا منه على ما يحبه اللهُ فافعلوه، وتَعَرّفوا منه على ما لا يحبه فاجتنبوه، فإنه كتابٌ مباركٌ، ما تَركَ خيراً إلا دلَّ عليه، ولا تركَ شرّاً إلا حَذّرَ منه.
ومما هو جديرٌ بعنايةِ المسلمِ أن يتتبّعَ الآياتِ التي فيها بيانُ ما يكرهُهُ اللهُ ولا يحبُّهُ من الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ حتى يحذَرَها، ولا يكونَ من أهلِها فيبوءَ ببغض اللهِ له، ومَقْتِهِ إياه، وسَخَطِهِ عليه، والعياذُ بالله.
عباد الله:
إن مما أخبرنا اللهُ تعالى أنّهُ يكرهُهُ ولا يحبُّهُ الظلمُ والعدوانُ قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وقال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} فإذا سمع المؤمنُ الصادقُ هاتينِ الآيتَيْنِ خاف من الظلمِ والعدوان، واجتنبَ ظُلمَ نفسِهِ بالشركِ والفسوقِ والعصيان، واجتنَبَ ظُلمَ غيرهِ، فلا يضربُ ولا يقتلُ ولا يبغيْ على أحدٍ بغيرِ حق، واجتنب العدوان على أموالهم بالسرقة، أو الغصب، أو أَخْذِها بالرُّشَى والرِّبا، أو بغير ذلك من صنوفِ الاعتداء، واجتنبَ العدوان على أعراضِهِم بالزنا أو اللواط، أو القذفِ أو الغيبة، أو الشَّتْمِ واللعن، فإنَّ الظُلمَ ظلماتٌ عظيمةٌ يومَ القيامة.
إخوة الإيمان:
ومما يكرهه الله ولا يحبُّه جحودُ نِعَمِهِ، وكُفرانُ آلائِه، قال تعالى {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي لا يحبُّ كل كَفّارٍ لِنِعَمِ اللهِ عليه، وكُفرانُ النعَمِ له صُورٌ كثيرةٌ منها أن ينكرَ نِسْبَتَها إلى اللهِ وينسبَها لغيره كما قال تعالى {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} قال عون بن عبدالله: ” إنكارُهم إيّاها أن يقولَ الرجل: لولا فلانٌ أصابني كذا وكذا، ولولا فلانٌ لم أُصِبْ كذا وكذا”. وكما قال تعالى عن قارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} فنسب كسْبَهُ الأموالَ الطائلةَ إلى حِذْقِهِ وذكائهِ ومعرفتهِ بِطُرُقِ تحصيلِ المالِ، ولم يَنْسِب الفضلَ إلى اللهِ فخسفَ اللهُ بهِ وبدارِهِ الأرض.
ومِن جُحودِ النعمةِ وكفرانِها تركُ أداءِ حقِّ اللهِ فيها من النفقاتِ الواجبة، والزكواتِ المفروضة، ومِن جُحودِ النعمةِ تَركُ التحدثِ بها وعدمُ إظهارِ أثرها على صاحبِها، فإنَّ الله تعالى إذا أنعمَ على عبدهِ أحبَّ أن يرَى أَثَرَ نعمتِهِ عليه قال تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، وقال ﷺ : “إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ” رواه الترمذيُّ وحسّنَه، اللهم إنا نعوذ بك من الظلم والعدوان، وأن نقابلَ نِعمَكَ علينا بالجُحودِ والكفران. أقولُ هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واعلموا أَنّ الله يحبُّ عبدَهُ التّوابَ المنيبَ، ويُبغضُ الفاسقَ الأَثيم وهو المصرُّ على المعاصي لا يتوب إلى الله منها، قال تعالى {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} فالكَفّارُ هو الجاحدُ للنعمةِ كما عرفنا قريباً، وأما الأَثيم فهو المُكثرُ من المعاصي المقيمُ عليها، فلا يُقلعُ عنها، ولا يَتوبُ إلى بارئهِ منها.
إخوةَ الإيمان: إنَّ التوبةَ إلى الله تعالى واجبةٌ من جميعِ الذنوبِ والخطايا قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ومن تابَ من ذنبٍ فوقعَ فيه مرةً أخرى أو في غيرهِ فليجدّدِ التوبةَ، وهكذا كلّما عصا ربَّهُ تابَ وأناب. فمَن تابَ تابَ اللهُ عليه، بلْ فرح بتوبةِ عبدهِ، وبدّل سيئاتهِ حسنات. قال تعالى في حقِّ من أَشركَ وقَتلَ وزنا {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} فما أعظمَ حِلْمَ اللهِ، وما أوسعَ كرمَهُ وجُودَه ، اللهم إنا نستغفرك من جميع الذنوب والخطايا ونتوبُ إليك، اللهم فاغفر ذنوبنا وتقبل توبَتَنا وأَحسِن في الأُمورِ كلِّها عاقبَتَنا إنك سميع قريب. اللهم أَعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم انفعنا بكتابك الكريم، وارفع به درجاتِنا في عليين، ووفقنا لما يرضيك عنا يا رب العالمين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، وانصر بهم دينَك وأَعْلِ بهم كلمَتَك يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾