العنوان : خطبة عيد الفطر 1443هـ (من محاسن دين الإسلام)
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر – الله أكبر.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، واشكروه على ما أَنعمَ وأَولى، بلَّغَنَا رمضان، وأعانَ على الصيام والقيام، ومنّ بإدراكِ التَّمام، ونسألُه بفضله أنْ يُتِمَّ علينا النعمةَ بالقَبُولِ.
عباد الله: إنّ هذا اليومَ الأَغَرّ، هو يومُ عيدِ الفِطر، وأوّلُ أيامِ أشهُرِ الحَجّ، أَوجَبَ اللهُ فِطرَه، وحرّمَ صومَه، وجعلَهُ فَرَحاً وغِبْطَة، يفرح فيه المسلمون بفطرهِم بعدَ صومِهم، وبإكمالِ الركنِ الرابع من أركانِ دينِهِم، وبما يَرْجُونَهُ مِنْ الفَرَحِ الأكبر، يومَ يلقونَ ربَّهم قد قَبِلَ أعمالهَم الزاكيَة، وغفر ذنوبَهم الماضيَة، فيُقال لهم:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} فما أجملَ هذا الفرحَ وما أعظَمَه، قال نبيُّكم ﷺ : “لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”. اللهم كما بلّغتنا الفرحَ العاجلَ بالفطر، فبلّغنا الفرحَ الأكبرَ يومَ نلقاكَ يا رب العالمين.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ، أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
عباد الله:
إنّ دينَكُم دينَ الإسلام يقومُ على خمسِ قواعد، أوّلُها الشهادتان، فشهادةُ (أنْ لا إلهَ إلا اللهُ) تقتضي إفرادَ اللهِ بالعبادة، أي أنه لا يستحق العبادةَ في الوجودِ أحدٌ إلا الله، قال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}، فأخلصوا له الدين، ولا تصرفوا شيئاً من العبادة للأولياءِ ولا للقبور، ولا تستغيثوا بالجنِّ ولا تذبحوا لها، قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} وقال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ}
وإننا _يا عباد الله_ لم نُخلقْ إلا لنعبدَ اللهَ وحدَه كما قال ربنا جلّ ذِكْرُه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فمَنْ لقيَ الله موحِّداً دخل الجنة، ومن لقيهُ يُشرِكُ به في عبادته أحداً سواه دخل النارَ خالداً فيها، قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}
وشهادة (أن محمداً رسول الله) تقتضي اتّباعَهُ ﷺ بطاعةِ أوامرِه، واجتنابِ نواهِيه، وتصديقِ أخبارِه، والتعبدِّ لله بما شرعه فقط، فحققوا شهادتكم له بالرسالة ﷺ بحُسْنِ الاتّباع، واجتناب الابتداع، {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
وثانيْ قواعدِ الدين: الصلواتُ الخمسُ المفروضةُ في كلِّ يومٍ وليلة، يقفُ العبدُ فيها بينَ يديْ مولاهُ متضرعاً إليه، طامعاً في فضلِه، خائفاً من بطشِه، فيزدادُ إيمانُه، ويَعْظُمُ يقينُه، ويطمئنُّ قلبُه، وتَسْكنُ نفسُه، وتستنيرُ دُنياهُ وآخِرَتُه، فما أعظمَ هذه الصلاةَ التي هيَ صلةٌ عظيمةٌ بينَ العبدِ الفقيرِ المسكين، وربِّه الملكِ الغنيِّ الحميد. فحافظوا عليها، واحذروا من تضييعها؛ فإنَّ الصلاةَ حدٌّ فاصلٌ بين الإسلامِ والكفر، قال ﷺ : “من تركها فقد كفر”.
وثالثُ قواعدِ الدين: الزكاةُ المفروضةُ مَرّةً في العام، وهي جزءٌ قليلٌ من مالٍ كثير، يخرجهُ المسلم، فتزكو بها النفس، ويَنمو بها المال، وتَحُلُّ فيه البركة، ويُثاب عليها ثواباً لا مقدارَ له، وفي الزكاةِ سَدُّ حاجة الفقيرِ والمسكينِ والغارم، تُفرِّج هُموهَم، وتنفّسُ كُروبَهم، كما أَنّها تُؤلِّفُ بين أغنياءِ المسلمينَ وفقرائِهم، فما أحسنَ الزكاةَ وما أعظمَ نفعَها، فأخرجوها قبلَ أن تكونَ ناراً تُكوى بها جِباهُ المانعينَ وجنوبُهم وظهورُهم، في يومٍ كان مقدارهُ خمسينَ ألفَ سنة، نعوذ بالله من غضبه وعقابِه.
ورابع قواعد الدين: صيامُ رمضانَ مِن كُلِّ عام، شرعهُ اللهُ عَوْناً على التقوى، وتربيةً على الصبر، وترقيةً إلى درجةِ الإحسانِ وخشيةِ اللهِ بالغيب، كما أنّ فيه صلاحاً للأبدان، وتذكيراً بأحوالِ الضعفاءِ والمساكين، وتنبيهاً على نعمةِ الطعامِ والشراب، فإن النِّعمةَ إذا فُقِدتْ أو مُنِعتْ عُرِفَ قَدْرُها.
وخامس قواعد الدين: الحج إلى البيت الحرام مَرّةً في العُمر، يُهِلّون فيه بالتوحيد، ويَقِفُونَ مواقفِ أبيهم إبراهيم، ويؤدّون المناسك كما أداها محمد ﷺ، يَلبسون الإحرام فيتذكرون الخروج من الدنيا بالأكفان، ويجتمعون في صَعيدٍ واحدٍ فيتذكرون الحشْرَ الأكبر، ويلتقي المسلمون من المشارق والمغارب فيتعارفون بينهم، ويتبادلون المنافع، ويتعاونونَ على البرِ والتقوى، ثم يرجعون من حَجِّهم إذا بَرّوا فيه كَيَومِ وَلَدَتْهُمْ أمهاتُهم، قد مُحيتْ ذنوبُهم وغُفِرَتْ خطاياهُم، ولم يكن لهم جزاءٌ إلا الجنة.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ، أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
عبادَ الله:
إنّ دينَكم دينٌ عظيم، منزّلٌ من السماء، تكفّلَ اللهُ بحفظه، وتكفّلَ بنصرِ القائمينَ به، دينٌ موافقٌ للفِطَرِ والعُقول، جامعٌ لمصالحِ العباد، صالحٌ لكل زمانٍ ومكان، يُحِلُّ الطيبات، ويحرّم الخبائث، دينُ الرحمةِ والعدل، والعطفِ الإحسان، وصلةِ الأرحام، وحُسنِ الجِوار، وصلاحِ ذات البين، دينُ الصدقِ والعَفاف، وكلِّ مكارم الأخلاق، دينٌ ينهي عن التفرقِ والاختلاف، والفحشاءِ والمنكر، والعقوقِ والقطيعة، والكذبِ والبَذاء، وكلِّ مساوئ الأخلاق، فالحمد الله على هذا الدينِ الكاملِ الذي قال الله فيه{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
إخوةَ الإسلام: تفقّهوا في دينِكم، وتمسكوا بدينِكم، واعتزوا بدينِكم، ورَبُّوا عليه أهاليكم وذَرارِيكُم، فإنه لا عِزَّ إلا بالإسلامِ النقيِّ الخالصِ من شوائبِ البِدع، ولا فلاحَ ولا سعادةَ ولا هدايةَ إلا به {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ، أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر – الله أكبر.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على نعمهِ بطاعته، فإن الشُّكرَ رِباط النِّعَم، فلا تُشرّدوها بالمعاصي، فكم مِن شاردٍ غيرِ مَردود، حافظوا على نعمة الأمنِ بلزومِ الجماعة، والسمعِ والطاعة، وصِدقِ الولاءِ لِوُلاةِ أمرِكم، واجتنابِ الفُرقةِ والاختلاف، والتحزبِ والجماعات، فإنه “لا إسلامَ إلا بجماعة ولا جماعةَ إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمعٍ وطاعة”.
وحافظوا على ما رزقكم الله من وَفرةِ الأرزاق، وكثرةِ الخيرات، بالاقتصادِ في استعمالِها، واجتنابِ الإسرافِ والتبذيرِ فيها، والحذرِ من التفاخرِ بها. فإن الله هو المعطي المانع، قادرٌ على سَلْبِ ما أعطى، وإفقارِ مَن أغنى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ، أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
عباد الله: إنّ النساءَ شقائقُ الرجال، وقد عُنيَ الإسلامُ بالمرأةِ عنايةً كبيرة، وأكرمَها إكراماً ليس له مثيل، فأمرَ بالبّرِ بها أُمّاً، وحُسنِ عِشْرتِها زوجة، ورحْمَتِها بِنتاً، وإكرامِها أُختاً، وحافظَ عليها محافظةً تامةً عن الابتذالِ والامتهان، وصانها عن أطماعِ مرضى القلوب، فشرعَ لها القرارَ في بيتها، وأَمرَها بالحجاب، ونهاها عن الخَلوةِ بالأجنبي عنها، وعن مصافحته، أو الخضوعِ له بالقول، أو كشفِ زينتِها بحضرتِه، ونهاها أن تسافرَ مِن غَيرِ محرم، وأَمرَها بغضِّ البصر، وأمرَ بغض البصرِ عنها، كلُّ ذلك للحفاظِ على حيائِها ودينِها وأخلاقِها. فلتحافظْ المرأةُ المسلمةُ أشدَّ المحافظةِ على حجابِها وحشمتِها وحيائِها فهو رفعةٌ لها في الدنيا، ونجاةٌ لها يومَ القيامة، وأما التبرجُ بالزينةِ للأجانب سواءً في الواقع أو عبرَ وسائلِ التواصل فهو من أخلاقِ الجاهلية، قال تعالى {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} ، وهو من أسبابِ دخولِ النار قال ﷺ “صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا” رواه مسلم. فلْتَسْعَ كلُّ مسلمةٍ إلى نجاتِها.
اللهم تقبل صيامَنا وقيامَنا، واعتق رقابَنا ورقابَ والدِينا من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشركَ والمشركين، واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادَك الموحدين، اللهم وفق إمامنا خادمَ الحرمين الشريفين، ووليَّ عهدِه الأمين، اللهم انصر بهم دينَك وأَعلِ بهم كلمتَك وارزقهم البطانَةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين.
اللهم انصر جنودَنا وثبت أقدامَهم، وسدّد رميَهم، وشُدَّ أزرَهم، وعجّل نصرَهم؛ إنك أنت القوي العزيز.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
عباد الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
فاذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.