جديد الإعلانات :

العنوان : قسوة القلوب وعلاجها خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 11738

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واجتهدوا في إصلاحِ قلوبكم، فإنَّ القلبَ إذا صلَحَ صلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدَ فسدَ الجسدُ كلُّه كما أخبر ﷺ.

وإنّ القلبَ هو محلُّ نظرِ اللهِ من العبدِ، قال ﷺ: «إِنَّ اللهَ ‌لَا ‌يَنْظُرُ ‌إِلَى ‌صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ» رواه مسلم، وإذا سَلِمَ قلبُ العبدِ من أمراض الشبهات والشهوات فاز وأفلح كما قال تعالى ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ ‌بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ومن لقيَ اللهَ بقلبٍ مريضٍ فقد خابَ وخسِرَ إن لم يتداركه الله برحمته قال تعالى ﴿فِي ‌قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾

وأمراضُ القلوبِ كثيرةٌ، ومن أخطرها قسوةُ القلب، فقد ذمَّ اللهُ القاسيةَ قلوبُهم، فقال تعالى: ﴿ثُمَّ ‌قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ ‌قَسْوَةً﴾ وتهدّدَ اللهُ قُساةَ القلبِ وتوعّدَهم فقال ﴿فَوَيْلٌ ‌لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ ولخطر قسوة القلب قال الإمام مالك «مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ ‌قَسْوَةِ ‌الْقَلْبِ».

إخوةَ الإيمان: إنَّ قسوةَ القلبِ لها علاماتٌ كثيرةٌ: منها عدمُ الانتفاعِ بمواعظِ القرآن ولا التأثرِ بقوارعه، قال تعالى معاتِباً أهلَ الإيمان ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ‌فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ‌أَيُّكُمْ ‌زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ فأين هؤلاء من المؤمنينَ الصادقين اللينةِ قلوبُهمْ، الذين قال اللهُ في شأنِهم  ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ‌تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ _جعلني الله وإياكم منهم_.

ومن قسوةِ القلبِ تركُ التوبةِ والإنابةِ عند نزول الابتلاء قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ ‌قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾

اللهم إنا نعوذ بك من قسوةِ القلوب، وأَدرانِ الذنوب، والخزيِ يومَ تنكشفُ العيوبِ، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله ، وحافظوا على سلامةِ قلوبِكم من الأمراض المعنوية، فإنها أخطرُ وأفتكُ من أمراضِها الحِسِّية، ومن أعظمِ أسبابِ سلامَتها إخلاصُ العبادةِ للهِ تعالى، فالقلبُ السليمُ هو القلبُ السليمُ من الشرك كما قال الحسنُ البصري،  وكذلك اجتناب المعاصي كلِّها صغيرِها وكبيرِها، لأنَّ المعاصي سببُ قسوةِ القلبِ، قال تعالى ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ ‌قَاسِيَةً﴾ أي أَنّهم لما عصوه وخالفوا أمره لعنهم وعاقبهم بقسوة القلوب.

إخوةَ الإيمان: من كان ذا قلبٍ قاسٍ فعليهِ بالأدويةِ النافعة، وأنفعُها الإكثارُ من تلاوة القرآن الكريم بتدبر وتفكر قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ‌وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، فجاهدْ نفسَكَ يا عبدَ اللهِ لتكونَ في خَلْوَتِكَ كمَنْ قال اللهُ فيهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) ‌وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ ومما يَلينُ به القلبُ القاسي الإكثارُ من ذكرِ اللهِ قال تعالى ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ ‌تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) ﴾ ولـمّا شكى رجلٌ إلى الحسنِ البصري قسوةَ قلبهِ قال: أَذِبْهُ بِالذِّكر.

وتلينُ القلوبُ كذلك بِقِصَرِ الأَمَلِ، وأَكلِ الحلالِ وزيارةِ القبورِ والتفكرِ في الرحيلِ إلى دارِ الآخرة، وتركِ الزائدِ عن الحاجةِ من الشرابِ والطعامِ، والنومِ والكلامِ، وتَلينُ القلوبُ كذلك بمصاحبةِ المخبتينَ الخاشعين، وبالإحسانِ إلى الخَلْق، وعيادةِ المرضى ورحمةِ الأيتامِ والضعفاءِ، قال ﷺ:  «إِنْ سَرَّكَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَامْسَحْ بِرَأْسِ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمْهُ» اللهم ليِّنْ قلوبَنا عند ذكرك، وأعنِّا على طاعتِك وشُكرك، وارزقنا قلوباً سليمة، ونفوساً مطمئنة. اللهم أَعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيه رضاك، واجعلْ عملهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *