جديد الإعلانات :

العنوان : مكانة العلماء

عدد الزيارات : 2827

الحمدُ لله الذي رفع شأنَ العلمِ الشرعيِّ وشأنَ أهلهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له شهادةً ألقاه بها بجودهِ وفضلِه، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، بلّغَ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ وبلغ المنتهى في شفقتهِ على أُمَّتهِ ونصحِه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه، وسلّمَ تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا اللهَ عبادَ الله حقَّ تقاتِه، وسارعوا إلى مغفرتِهِ ومرضاتِه، وتجنبوا أسبابَ غضبهِ وعقوباتِه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

عباد الله:

إن لعلماءِ الشريعة في الإسلامِ مكانةً سَنيِّة، ودرجةً عَليِّة، حتى إنّ اللهَ قرَنَ شهادتَهم على وَحدانتيه بشهادةِ نفسه، وشهادةِ ملائكته، فقال تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وجعَلَهمُ النبيُّ ﷺ ورثةً للأنبياء، لا وارثَ لهم غيرُهم ممن لم يرث علمهم حتى من الآباءِ والأبناء، لأنهم لا يُورِّثون دِرهماً ولا ديناراً إنما يُورّثون العِلم فقال ﷺ: “إِنَّ الْعُلَمَاءَ هم وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ” رواه أهل السنن.

ولما كان الجهلُ ظلماتٍ حالكةً ، كان العلماءُ نجوماً في هذه الظلمات يَهتدي بها السُّراةُ ليعَرفوا الجهةَ الصحيحةَ التي تُبلّغهم رضوانَ الله؛ ولذلك أمرَ اللهُ جلَّ وعلا بالرجوع إليهم وسؤالِهم فقال عزّ وجلّ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

ولـمّا كان الانتفاعُ بالعلماء لا يَتِمُّ على الوجهِ الأكملِ إلا إذا استقرّتْ مكانتُهم في القلوب، فقد أمرَ النبيُّ ﷺ بإجلالهِم فقال ﷺ: “إن من إجلالِ اللهِ إكرامَ ذي الشيبَةِ المسلمِ، وحاملِ القُرآنِ غيرِ الغالي فيه والجافي عنه، وإكرَامَ ذي السُّلطَانِ المُقْسِطِ” رواه أبو داود.

ولعِظَمِ خُطورةِ الجهلِ بأقدارِهم في الإسلام تبرّأ النبيُّ ﷺ ممن لم يَعرف لهم حقَّهم وقدرَهم فقال ﷺ: ” لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا ” أي حقه، رواه أحمد والحاكم.

عبادَ الله:

إن العلماء الممدوحين في الكتاب والسنة هم العلماءُ الراسخون في العلم، القائمون به عملاً وتعليماً، أما الجُهّالُ المتعالمون، أو الدعاةُ إلى البدع الضالّون، فَحقُّهم اجتنابُهم، والحذرُ منهم حتى لا يتبعَهُم المسلمُ على ضلالِهم؛ فيهلكَ مِن حيثُ يَبغي النجاة، ويَشقَى مِن حيثُ يريدُ السعادة، ويَضِلُّ مِن حيثُ يطلبُ الهداية.

اللهمَّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا حبَّ العلمِ الذي يقربنا منك وحبَّ أهله وحمَلَتِه، أقولُ هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي اختصَّ مِن خَلقهِ مَنْ أحبَّ فهداهُم للإيمان، واختصَّ مِن أهلِ الإيمان مَن أَحبَّ فعلّمهم الكتابَ والحكمةَ والفقهَ في الدين، ورفعَهم درجاتٍ فوق سائرِ المؤمنين.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واعلموا أنّ مِن سعادةِ الأمة وعزّتِها وقوّتها وثباتِ أمنِها واجتماعِ كلمتها وصلاحِ أخلاقِها واستقامتِها على الصراطِ المستقيم، دون غلوٍّ ولا تفريطٍ أن يكون فيها علماءُ ربانيون يبينون لها الكتابَ والسنة وعقيدةَ سلفِ الأمة، يأمرونها بالمعروف، وينهونها عن المنكر، ويبذلون النصح للراعي والرعية، وتَهتَبِلَ الأمةُ فرصةَ وجودِهم، وتغتنمَ مدةَ حياتِهم فتقبسَ من علمِهم، وتُصغِي إلى نصحِهم.

فإن علماء السنةِ كالشمسِ للدنيا، وكالعافيةِ للأبدان، فهل من غنى عن الشمس أو عن العافية؟

وإذا مات العلماءُ ولم يَخلُفْهم علماءُ اتّخذَ الناسُ رؤوساً جُهالاً فضلّوا وأضلّوا كما في الحديث، وإذا كثر الجهلُ وقلَّ العلمُ فسدتِ العقائدُ والأخلاق، وكان ذلك مُؤْذِناً بخرابِ العالَم وقيامِ الساعة قال ﷺ: ” إن من أشراط الساعة: أن يُرفعَ العلمُ ويَثْبُتَ الجهلُ، ويُشرَبَ الخمرُ، ويَظهرَ الزنا ” متفق عليه.

ومن فضلِ اللهِ تعالى أنه لا يَقبضُ العلمَ من الصدور، ولكنْ يقبضُه بقبضِ أهلهِ، كما ثبت عن النبي ﷺ.

فعلى المسلمين عامة أن يرجعوا لأهلِ العلمِ في معرفةِ دينِهم، وعلى شبابِ المسلمين خاصة أن يَغتنموا شبابَهم وفراغَهم وصحتَّهم وقوّتَهم فيتحلّقوا حولَ البقيةِ الباقيةِ من علماء السنة بجدٍّ وإخلاصٍ، وحُسْنِ نيةٍ وقصدٍ، حتى يستمرَّ الخيرُ ولا ينقطع، قال سلمان رضي الله عنه:” لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ الْأَوَّلُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ، فَإِذَا ذَهَبَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْآخِرُ فَذَاكَ حِينَ هَلَكُوا ” رواه أحمد في الزهد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان برحمتك يا أرحمن الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *